منهما تساوي دينارًا بدليل أنه باع واحدة بدينار هذا هو الأقرب، وليس في هذا غبنًا حتى يقال: إن في ذلك دليلًا على جواز غبن الإنسان بنفس القيمة أو أكثر؛ لأن الظاهر أنه اشتراها من شخص يحب أن يمشي وأن يبيع بأي ثمن.
ومن فوائد الحديث: جواز تصرف الفضولي، فما هو تصرف الفضولي؟ تصرف الإنسان في ملك غيره بدون إذنه فإذا أجازه صحّ التصرف، يؤخذ: من أن عروة تصرف واشترى شاتين وباع واحدة، فخالف في الشراء وخالف في البيع، إنما كان عليه في الشراء أن يشتري شاة واحدة بنصف دينار ما دام وجد شاتين بدينار، إذ الواحدة تساوي نصف دينار، فلو تقيد بالوكالة لاشترى واحدة بنصف دينار، لكنه رضي الله عنه ترخصهما ورآهما رخيصتين فاشترى شاتين، فالظاهر أن من نيته أن يبيع إحدى الشاتين، إذن فيه تصرف الفضولي، وأنه نافذ إذا أجير، ومعنى أجيز يعني: وافق من تصرف له على هذا التصرف، فإن لم يوافق لم يصح، فلو أن شخصًا باع سيارة شخص على آخر اعتبارًا بالمصلحة وانتهازًا للفرصة، ثم أخبر صاحب السيارة بأنه باع سيارته فقال: جزاك الله خيرًا أنا موافق، فالبيع صحيح، ودليله هذا الحديث، فإن قال: لا آذن ولا أرضى، فالبيع غير صحيح وترد السيارة ويأخذ المشتري ثمنها، فإذا أدعى المشتري أن صاحب السيارة قد وكَّل البائع، فإننا نقول له: أقم بينة، وإلا فالأصل أنه لم يأذن له وهذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم أن تصرف الفضولي نافذ إذا أجيز، فإن لم يجز فسد، وقال بعض العلماء: إن تصرف الفضولي فاسد لا يصح حتى لو أجيز: لأن العبرة بالعقد وهو حين العقد ليس وكيلًا ولا مأذونًا له، فإذا لم يكن وكيلًا ولا مأذونًا له فقد وقع التصرف من غير أهله؛ لأنه ليس من مالك ولا من يقوم مقام المالك، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، ولا يجيزون تصرف الفضولي إلا في بعض الأحوال للضرورة، كالتصرف في مال المفقود فيتبين بعد ذلك أنه حي، ولكن أيهما أولى أن نقدم الأثر أو نقدم النظر؟
الأثر؛ لأن الأثر حاكم على النظر ولا عكس، على أنه يمكن أن نقول: إن النظر يؤيد الأثر، كيف ذلك؟ لأن منع الإنسان من التصرف في مال غيره إنما هو حماية لحقوق الغير ومنعًا للفوضى، فإذا أذن فقد زالت هذه العلة، وحينئذ يكون النظر مطابقًا للأثر، وهذا هو المعلوم في جميع الأحكام الشرعية أنها موافقة، للنظر لكن للنظر الصحيح المبني على التروي والتأني دون النظر السطحي، فإن النظر السطحي قد يتوهم الإنسان به مخالفة الحكم الشرعي للمعقول ولهذا روي عن علي بن أبي طالب أنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من