للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير مقدور على تسليمه لماذا؟ لأن البهيمة قد تعاكس، فإذا كان غير مقدور على تسليمه ولا معلوم فلا يصح لأنه غرر.

الثالث: وعن شراء العبد وهو آبق، نرجع إلى الجملة الأولى: "شراء ما في ضروعها حتى تجلب"، فإذا حلبت صح بيع الحليب؛ لأنه من الشيء المباح، هل يقاس على ذلك ما في وعائه من الثمار كأن يقال لا يصح بيع الرمان في قشرة؟ لا، لماذا؟ لأن هذا لا يمكن بيعه إلا على هذا الوجه؛ إذ لو أ/رنا البائع بأن يفتحه لكان ذلك عرضة لفساده، وهو مما جرى بين المسلمين بيعه في قشرة بيع السنبل في حبه أجازه الشارع فنهى عن بيع الحب حتى يشتد، فإذا اشتد جاز بيعه ولو في سنبله مع أنه في سنبله فيه شيء من الجهالة لكن لما كان لا يمكن بيعه إلا على هذا الوجه اغتفرت فيه الجهالة.

هل يقاس على ذلك بيع الفجل في الأرض والثوم والبصل وشبهها؟ أيضًا قاسه بعض العلماء على هذا، وقال: لا يصح بيع البصل والثوم والفجل وما مأكوله في باطن الأرض؛ لأنه مجهول لا يعلم، ولكن اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله تعالى- جواز بيع ذلك، قالا: لأنه مما جرت به العادة؛ ولأنه مغروس بأصل الخلقة فيكون كالرمان والبطيخ وليس كاللبن في الضرع من كل وجه؛ لأن اللبن في الضرع فيه بالإضافة إلى الجهالة أنه غير مقدور على تسليمه وأيضًا أنه ينمو فكلما حلبت نزل اللبن بخلاف هذا، والصحيح ما ذهب إليه شيخ الإسلام وابن القيم من جواز بيعه، وهو أيضًا معلوم عند أهل الخبرة يعرفون أن البصل كبير ولو كان في باطن الأرض مما يظهر من سوقه وأوراقه.

قال: "وعن شراء العبد وهو آبق" من العبد؟ الرقيق، يعني: المملوك وقد أطلق الله على المملوك اسم العبد فقال: {والصالحين من عبادكم وإمائكم} [النور: ٢٢]، وقوله "وهو آبق" أي: هارب من سيده، إلى متى؟ الجملة هذه حال، "وهو آبق" أي: في حال إباقه، أما إذا رجع فإنه يصح شراءه، ولكن لو اشتراه الإنسان دون أن يخبره بائعه بأنه قد أبق، فهل له الخيار في رده؟ نعم، لماذا؟ لأن الإباق عيب، ومن أبق عند سيده الأول فلا يضمن أن يأبق عند الثاني، ويستفاد من هذه الجملة من الحديث: جواز بيع وشراء العبد.

فإذا قال قائل: إن في هذا ظلمًا لهم كيف تجعله كالبهيمة يباع ويشترى؟ قلنا إنهم لم يظلموا، ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم؛ لأن سبب الرق هو الكفر، فإذا كانوا هم الذين ظلموا أنفسهم فإننا لم نظلمهم، وقد جاءت النصوص الكثيرة بالحث على مواساتهم وعلى الرأفة بهم والرحمة وعلى العتق حتى جعل له الشارع أسبابًا كثيرة من المعاصي التي تكفر بالعتق، وهل

<<  <  ج: ص:  >  >>