اختلاف لا طائل تحته، وأن من تأمل الحديث وما يتضمنه من المعاني الجليلة وجد أنه لا يخالف القاعدة، ولا يخالف القياس، وأنه مقتضى القياس والنظر الصحيح وأن المراد بالتفرق هو التفرق بالبدن، وليس هو التفرق بالقول، وأن دعوي أنه تفرق بالقول وأن البيع يلزم بمجرد الإيجاب والقبول قول ضعيف جداً، وابن عمر رضي الله عنهما راوي الحديث كان إذا باع عليه أحد شيئاً قام من المجلس وفارق المجلس لئلا يستقبل أو لئلا يفسخ البائع، وهذا يدل على أن المراد بالافتراق هو افتراق الأبدان، ولا حاجة إلى التكلف الذي ذهب إليه من زعم أنه ليس في البيع خيار المجلس.
٧٩٣ - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله».
رواه الخمسة إلا ابن ماجة، والدارقطني، وابن خزيمة، وابن الجارود.
- وفي رواية:"حتى يتفرقا من مكانهما".
هذا كالحديث الأول فيه أن البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا، وهو مثل قول:"إذا تبايع الرجلان" إلا أن هذا قال: البائع والمبتاع، ففصل أحدهما عن الآخر، فالبائع هو جالب السلعة والمبتاع مشتريها، يقول:"بالخيار" يعني: كل واحد منهما له الخيار يختار ما يراه أنفع وأصلح لنفسه من أي شيء؟
"يتفرقا من مكانهما" وهذا نص صريح بأن المراد بذلك تفرق أبدان قال: "إلا أن تكون صفقة خيار"، الصفقة: هي عقد البيع، وسميت صفقة؛ لأن كل واحد منهما يصفق بيده على الآخر عند العقد، وهذا في زمن مضى، أما الآن فلا تحصل الصفقة.
وعلى كل حال: المعنى إلا أن تكون البيعة بيعة خيار، وبيعة الخيار نقول فيها ما قلنا في قوله في الحديث السابق:"أو يخير أحدهما الآخر"، فتشمل ما إذا كانت صفقة خيار؛ أي: صفقة إسقاط خيار، فإذا كانت صفقة إسقاط خيار وسقط خيار المجلس بمجرد العقد، ويحتمل أن يكون المراد: صفقة خيار؛ أي: صفقة شرط فيها الخيار إلى مدة معينة بعد التفرق، وعلى هذا فيكون في ذلك إثبات خيار الشرط.
قال:"ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله"، يشمل البائع والمشتري، وقوله:"أن يستقيله" أي: أن يفسخ العقد، فالاستقالة هنا بمعنى: فسخ العقد، وذلك لأنه لو كان المراد بها: الاستقالة