الأبواب؟ الأبواب- والله أعلم- كناية عن صور تتضمن مسائل، وبإمكان طالب العلم أن يتأمل هذه ويجدها؛ لأننا ما دمنا نقول: إن الربا بمعنى الزيادة، فليس من لازم ذلك أن يكون بيع ذهب يذهب مع التفاضل فقط، بل بيع ذهب مع التفاضل والقبض، بيع ذهب بذهب مع التفاضل والتأخير، بيع ذهب بذهب مع التساوي والتأخير، بيع ذهب بذهب زائد عليه ويجعل مع الناقص دراهم، هذه عدة صور في بيع الذهب، ويمكن أن تجعل أيضاً صوراً أخرى في بيع الفضة، ويمكن أن يأتي ربا القرض وهو القرض الذي يجر منفعة.
فالمهم: أنه يمكن لطالب العلم أن يأمل في هذه الأبواب ويجد هذا العدد المشار إليه في الحديث، لكن يقول:«أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه»، ومعلوم أن نكاح الرجل لأمه مستقبح شرعاً وعقلاً وعادة، كل الناس يستقبحونه، لم يستحله إلا قوم من أراذل عباد الله وهم المجوس، استحلوا أن يتزوج الرجل محارمه فيتزوج أمه وأخته وبنته، وإنما مثل النبي صلى الله عليه وسلم بالأم؛ لأنه من المعلوم أن الناكح مستعل على المنكوح، فالناكح أعلى والمنكوح أسفل، فهذا يقتضي أن يعلو الرجل على أمه، وهو أقبح من أن يعلو على بنته؛ لأن للأم من الاحترام ما ليس للبنت.
وقوله:«وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم»، إذن نكاح الرجل أمه أهون من عرض المسلم، هذا مقتضى الحديث؛ لأن الرسول صلى الله عليه السلام ذكر أن عرض الرجل هو أربى الربا؛ أي: أعلاها، ونكاح الرجل أمه أيسرها، وهذا يقتضي أن عرض الرجل أعظم من نكاح الرجل أمه أيسرها، وهذا يقتضي أن عرض الرجل أعظم من نكاح الرجل أمه، وهذا الذي يجعل في القلب شيئاً من هذا الحديث وقلقاً من صحته؛ لأن مثل هذا غريب من أن يكون قد صدر من الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن يمكن أن يوجه ويقال: إن معنى "أربى الربا" أي: ليس معناه أربى الربا المحرم، أربى الربا من حيث الزيادة؛ لأن الإنسان إذا استطال في عرض المسلم بدأ يزداد فيكون هذا من باب الربا اللغوي، يعني: أن من انهمك في أعراض الناس ازداد حتى يتراكم عليه الربا ويكون هذا أربى الربا من حيث الزيادة والكمية أن يستطيل الرجل، كما في اللفظ الآخر:«استطالة الرجل في عرض أخيه»، يعني: أنه ليس كالمال، المال قد لا يحصل على الربا لو أراده، لكن الكلام يحصل يستطيع الإنسان أن يملأ الدنيا كلاماً، والإنسان إذا ابتلي بهذا الأمر أي: يأكل لحوم الناس استزاد وصار لا يستأنس ولا ينشرح إلا إذا أكل جيف بني آدم- نعوذ بالله- فيمكن أن يكون هذا وجه الحديث إن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.