الربا يجري فيه نوع واحد من الربا وهو ربا النسيئة، أما ربا الفضل فلا يجري فيه، كالبر بالشعير فهما جنسان يتفقان في علة ربا الفضل فيحرم بينهما التأخير ولا يحرم التفاضل، هذا هو مجمل ما يقال في الربا، هناك أموال ليست ربوية هذا ليس فيها رباً لا فضل ولا نسيئة تبيعها متفاضلة تبيعها متأخرة.
نبدأ بالحديث الأول: يقول: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا»، شفى تكون بمعنى: زاد وتكون بمعنى: نقص، فإن عديت بـ"عن" فهي بمعنى نقص، شفه عن كذا يعني: نقص، وإن عديت بـ"على" فهي بمعنى زاد، ولكن أن الزيادة والنقصان متقابلان لا يقبل أحدهما بدون الآخر، متى ثبتت الزيادة ثبت النقصان في الجانب الآخر، يقول:«لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل» وهذا يعني في الوزن وليس في الصفة؛ يعني: لا يزيد وزن أحدهما عن الآخر، وأما في الصفة فلا بأس أن تبيع ذهبا جيداً بذهب رديء مع التساوي في الوزن، أو ذهبا قد صيغ معينة قديمة عدل الناس عنها، لكن وزنا بوزن، المهم: أ، المماثلة هنا بالوزن؛ أي: بالكم لا بالكيف.
فإذا قال قائل: وهل يأتي المثل بمعنى الكم؟ قلنا: نعم، ومنه قوله تعالى:{الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن}[الطلاق: ١٢]. بالكمية وليست بالكيفية، إذن المماثلة بالوزن وهو كم وليس بكيف.
الثاني:«ولا تشفوا بعضها على بعض» أي: لا تزيدوا على بعض، وظاهر الحديث أنه لا يزاد في الذهب إذا بيع بعضه لا من جنسه ولا من غير جنسه، وعلى هذا فإذا باع ديناراً وقيمة الدينار عشرون درهما بنصف دينار وعشرة دراهم فظاهر الحديث أنه لا يجوز، لماذا؟ لأن الذهب لم يوازن الذهب، وزن الذهب نصف والباقي قيمة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:«لا تشفوا بعضها على بعض».
كذلك لو باع الإنسان ذهباً مصوغاً بسبائك ذهب وأخذ الفرق مقدار أجرة الصنعة فهل يجوز؟ ظاهر الحديث أنه لا يجوز.
فإذا قال قائل: كيف لا يجوز إذا زدنا أجرة الصنعة وهي من صنع الآدمي، والآدمي يحتاج إلى أجرة ولا يمكن أن نقيسه على زيادة الصفة من خلق الله؟
فالجواب: مسائل الربا ليست من مسائل القياس المحض؛ لأن فيها أشياء ليس فيها نقص ولا ظلم ومع ذلك حرمها، فقد جيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر طيب جيد فسأل فقيل له: كنا نأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال: "هذا عين الربا"، وأمر برده مع أن هذه المسألة ليس فيها ظلم بوجه من الوجوه، وليس فيها إكراه، وكل أحد يعلم أن هذا لا محظور فيه من الناحية النظرية، ومع ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"هذا عين الربا"، فدل ذلك على أن مسائل الربا يجب فيها الوقوف على مقتضى النص.