للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو قال قائل: إن هذا من صنع الآدمي فالزيادة في الصنعة بخلاف طيب التمر؟

قلنا: نعم هذا صحيح، لكن قد يكون في طيب التمر أيضاً من صنع الآدمي، وسببه إذا لم يلقح النخلة صار تمرها رديئاً، والحديث عام قال: «هذا عين الربا»، ثم إنه تنتقض- مسألة الصنعة- بما إذا أبدل دنانير مسبوكة بسبائك من الذهب هل يجوز التفاضل؟ لا يجوز، حتى عند الذين يقولون بجواز التفاضل في الصنعة مع أن الدراهم المسبوكة فيها صنع آدمي ومع ذلك لا تجيزونه، قد يقولون: إن الصنعة غير مقصودة لذاتها إنما صنعها عام من أجل الرواج، وأن تكون أقيم الأشياء بخلاف الصنعة الخاصة التي صنعها الإنسان لتكون حليا على صفة معينة وسلم أجرتها، فيقال: هب أن الأمر كذلك لكن ماذا نصنع بالتمر إذا كان سوءه من صنع الآدمي وطيبة من صنع الآدمي، أي: بسبب الآدمي، ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة: أنه لا يجوز التفاضل بين الذهب بالذهب ولو من أجل الصنعة، وأن الباب يجب أن يغلق؛ لأن النفوس تحب المال، فإذا أجيز التفاضل من أجل الصنعة تدرجت النفوس إلى التفريط من أجل الرداءة والجودة، وحينئذ يقع الناس فيما كان حراماً بلا إشكال.

قال النبي صلى الله عليه وسلم «ولا تبيعوا الورق» المراد بالورق هنا: الفضة سواء جعلت دراهم أم لم تجعل وهذا متفق عليه، مع أن بعض العلماء في باب الزكاة لما قالوا في الرقة ربع العشر قالوا: المراد بالرقة: الدراهم المضروبة، وأخرجوا منها الحلي الذي يستعمل، قالوا: ليس قيه زكاة، ولكن الصحيح أن الزكاة واجبة في الحلي سواء سمي ورقاً أو لم يسم، مع أن ابن حزم قال: إن الورق اسم للفضة مطلقاً سواء مضروبة أم غير مضروبة، وهي هنا اسم للفضة مطلقاً سواء كانت مضروبة أم غير مضروبة، حتى عند القائلين بعدم وجوب الزكاة في الحلي، ولكن الصحيح كما مر علينا أنه تجب الزكاة في الحلي مطلقاً.

قال: «ولا تشفوا بعضها على بعض»، "تشفوا" هنا بمعنى: تزيدوا بدليل "على".

قال: «ولا تبيعوا منها غائباً بناجز»، "غائباً": يعني لم يحضر "بناجز" مقدم منقود، وهذه الجملة الأخيرة فيها تحريم النسيئة بين الذهب بالذهب، والفضة بالفضة والذهب بالفضة، ولهذا جاءت الجملة بعد ذكر البيع في الجنسين في الذهب وفي الفضة، يعني: "لا تبيعوا غائباً بناجز" جاءت بع ذكر الأمرين، فالغائب بالناجز لا يجوز سواء باع الإنسان ذهباً بذهب أو فضة بفضة أو ذهباً بفضة، لا يجوز التأخير وهذا التأخير يسمى ربا النسيئة وظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يكون هذا للاستثمار أو للاستغلال، فالاستثمار هو أن تكون المصلحة للطرفين، والاستغلال هو أن تكون لطرف واحد، مثال الأول: رجل أخذ ذهباً بمائة دينار من أجل أن

<<  <  ج: ص:  >  >>