يمكن الجمع ولا الترجيح؛ لأن الاضطراب يشترط فيه شرطان: ألا يمكن الجمع وألا يمكن الترجيح، فإن أمكن الجمع جمع وزال الاضطراب، وإن أمكن الترجيح أخذ بالراجح وشذ فيما سواه، ولكن الصحيح ما حققه ابن حجر رحمه الله؛ لأن الاختلاف في مثل هذا لا يضر؛ لأن الاختلاف فيه لا يعود إلى أصل الحديث؛ إذ إن أصل الحديث متفق وهو بيع القلادة بذهب، وأما الاضطراب فلا يتعلق به حكم، ونظير ذلك اختلاف الرواة في مقدار جمل جابر، فقد اختلفوا فيه اختلافاً كثيراً ومع ذلك لم يعد هذا من الاضطراب؛ لأن الاختلاف ليس في أصل الحديث، أما الاختلاف في أصل الحديث- مثل أن يكون أحدهم روى النهى، والثاني رواه بلفظ الأمر مما يعود إلى أصله- فهذا نعم يحكم بالاضطراب، إذا لم يمكن الجمع ولا الترجيح، والذي يهمنا صيغة العقد والمعقود عليه جنسه، أما قبضه فلا يهم.
يقول:"باثني عشر ديناراً فيها ذهب وخرز" كما هي العادة في القلادة أن يكون فيها خرز من ذهب وخرز من خزف ونحوه، يقول:"ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً"، يعني: من الذهب، وذلك بالوزن، فكان الذهب الذي فيها يزن أكثر من اثني عشر ديناراً، ومعلوم أن بيع الذهب بالذهب لابد فيه من التساوي.
يقول:"فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تباع حتى تفصل" أي: تفصل من الخرز ويجعل الذهب وحده، والدنانير وحدها ثم توزن، فإذا تساوت وزناً جاز بيعها، وقوله:"لا تباع" لم يقل: لا تفعل، فيفيد أن هذا البيع يجب إبطاله وإعادته؛ لأنه بيع فاسد باطل.
هذا الحديث فيه شراء جنس من الربوي بجنسه مع التفاضل، والقاعدة الشرعية في بيع الربوي بجنسه أنه لا يجوز مع التفاضل.
في هذا الحديث فوائد: منها: أن ما غنم من مال الكفار فهو ملك للغانمين؛ ولذلك صح العقد عليه، فهل ما ملكوه منا ملك لهم؟ الصحيح: نعم أنه ملك لهم؛ لأنهم يأخذونه على أنه حل لهم؛ ولأن الكفار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يكسبون من المسلمين ويبيعونه تبع أموالهم، فما ملكناه من أموالهم فهو لنا، وما ملكوه من أموالنا فهو لهم، كما أن من قتلوه منا لا يضمنونه ولو أسلموا؛ لأنهم يعتقدون أن هذا حلال.
ومن فوائد الحديث: أن الصنعة لا تؤثر في اشتراط التساوي إذا بيع الربوي بجنسه، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تباع حتى تفصل».
فإن قال قائل: الزيادة هنا في المصنوع وكلامنا إذا كانت الزيادة في غير المصنوع.
فقال: إذا منع الشرع الزيادة في المصنوع فعكسه من باب أولى.
ومن فوائد الحديث: ما ذهب إليه أكثر أهل العلم من أنه لا يجوز بيع الربوي بجنسه معه