للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{ولا تقربوا الزنى} [الإسراء: ٢٢]. {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} [الأعراف: ٨٥]. وأمثلة هذا كثير، المهم: أنه طلب الكف على وجه الاستعلاء، أي: أن الناعي يشعر بأنه أعلى من المنهي، فإن كان على سبيل المساوي والند فهو التماس، وإن كان من الأدنى إلى الأعلى فقول المسلمين: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: ٢٨٦] لا تقول: هذا منهي نقول: هذا دعاء؛ لأنك لست تلتمس ولا تستعلي ولكنك تستجدي تشعر بأن الذي تقول له: لا تؤاخذنا فوقك وأعلى منك؛ إذن "نهى" نقول: طلب الكف على وجه الاستعلاء.

واختلف العلماء في قول الصحابي: "نهى"، هل يحمل على الصيغة التي هي المضارع المقرون بلا الناهية أم ماذا؟ لأن بعض العلماء قال: ليس كالصيغة الصريحة؛ لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تبيعوا الثمار» هذا نهي صريح ليس فيه إشكال، لكن قول الصحابي: "نهى" زعم بعض العلماء أن هذا ليس بصريح في النهي لأنه قد يفهم ما ليس بنهي على أنه نهي بخلاف ما إذا نقل الصيغة نفسها فقال: لا تبيعوا، لو قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تبيعوا لكان الأمر واضحاً وصريحاً، ولكن إذا قال: "نهى" فقد يفهم ما ليس بنهي على أنه نهي، لكن هذا القول مرفوض لوجهين:

الأول: أن الصحابة - رضي الله عنهم - أعلم الناس بمدولولات ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم عاصروه وسمعوه، ومن المعلوم أن الإنسان إذا عاصر الشخص عرف كلامه ومدلول كلامه كما يعرف وجهه، نحن الآن إذا طالعنا كلام عالم من العلماء وأكثرنا مطالعته فإننا نعرف كلامه بمجرد ما يمر بنا، وإن كان لم ينسب إليه، فالصحابة -رضي الله عنهم- لا شك أنهم أعلم الناس بمدلولات ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم.

الوجه الثاني: أن الصحابة أورع الناس فيما ينقلونه عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، فلا يمكن أن يتجرءوا يقول: نهى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لم ينه هذا مستحيل، وعلى هذا فهذا القول مردود، والذي نرى أن قول الصحابي: "نهى" كقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفعل ولا فرق.

وقوله: "نهى عن بيع الثمار"، الثمار جمع ثمر، والمراد به: ثمر النخل وغيرها كل ما يسمى ثمراً كالتمر والعنب والتين والرمان والخوخ وغيرها مما يسمى ثماراً، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعه "حتى يبدو صلاحه"، وصلاح كل شيء بحسبه، منها ما يكون صلاحه باللون، ومنها ما يكون بالطعم، ومنها ما يكون باللمس، وقد يكون منها ما يكون بالرائحة، المهم: أن صلاح كل شيء بحسبه، وصلاحه أن يطيب أكله ويكون مهيأ لما ينتفع به فيه.

وقوله: "نهى البائع والمبتاع" البائع: الباذرل للتمر، والمبتاع: الآخذ له، وإنما نص رضي الله عنه على البائع والمبتاع لئلا يقال: إن النهي خاص بالبائغ، لأنه هو الغابن دون المشتري لأنه مغبون، والمشتري إذا غبن لماذا ينهى وهو راض بالغبن، وجه ذلك: أن الثمار إذا يبعت قبل الصلاح

<<  <  ج: ص:  >  >>