فإنها عرضة للآفات والعاهات، فإن انتظر بها الإنسان صلاحها فقد يأتيها عاهات نفسدها، وإن أخذها قبل الصلاح فهذا إضاعة مال، فالضرر في كل حال على المشتري أكثر، ولهذا قال:"نهى البائع والمبتاع"، أما البائع فلأن عقده فلأن عقده هذا قد يكون سببا لأكل مال أخيه بغير حق، وأما المشتري فلأنه يبذل ماله بما لا فائدة فيه، لو أصيب بعاهة تضرر وحصلت خصومة بينه وبين البائع، فالحاصل: أن النهي يشمل البائع والمبتاع.
وقوله: وفي رواية "حتى تذهب عاهتها" العاهة: ما يصيب الثمر من فساد، ففي النخل مثلاً الغبير والحشف وتغير الطعم، وكذلك في العنب عاهته أن يتسلط عليه الطير وينقذه حتى يذهب ماؤه وما أشبه ذلك، المهم أنها حتى تذهب العاهة ويأمن من حدوث العاهات، ولكن سيأتينا ما ذكر المؤلف، على كل حال المراد: حتى يطيب أكله ويكون متهيئا للانتفاع به.
من فوائد الحديث: أولاً تحريم بيع الثمار فبل بدو صلاحها، دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعها حتى يبدو صلاحها.
ومن فوائد الحديث - وهي متفرعة على ما قبلها -: أنه لو وقع العقد عليها لكان العقد باطلاً، لماذا؟
لأن النهي عائد إلى ذات المنهي عنه، والنهي إذا عاد إلى ذات المنهي عنه كان فعله فاسد؛ لأنك لو صححت مع نهي الشارع عنه كان لازم ذلك أنك جعلته معتبراً والشارع ما نهى عنه إلا من أجل إفساده والبعد عنه وعدم أثره وتأثيره، فلهذا لو بيعت الثمرة قبل بدو الصلاح لكان البيع فاسداً والثمرة للبائع والثمن للمشتري.
استثنى العلماء من هذا مسألتين:
الأولى: إذا باعه بشرط القبض على شرط أن تقطعه اليوم أو غداً، قالوا: هذا جائز، لماذا؟ قالوا: لأن عاهته مأمونة الآن، سيقطع قبل أن يتعرض للعاهات.
فإن قال قائل: هو إذا اشتراه بهذا الشرط فهذا إضاعة للمال؛ لأنه إذا لم يبدو صلاحه فماذا يفعل به والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال؟
فالجواب على ذلك: أن يقال يمكن أن يشتريه الإنسان علفاً لبهائمه كالبلح مثلاً فينتفع به، أما إذا علمنا أنه اشتراه ليجزه ثم يرمى به في الأرض فمنعه؛ لأنه سفيه ولا نمكنه من إضاعة المال.
المسألة الثانية مما استثنوا: قالوا: لو باعه على مالك الأصل فلا بأس به وإن لم يبدو