للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد الحديث: الإشارة إلى علة المنع؛ حيث قال لما سئل عن صلاحها: "حتى تذهب عاهتها".

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان ألا يتعامل معاملة مخاطرة وإن كانت جائزة؛ وذلك لئلا يقع في الندم، لأن الناس إذا عامل معاملة مخاطرة ثم صار الأمر على خلاف ما توقع ندم وحصل له حزن، والشرع يحارب الندم والغم والهم والأحزان، ولهذا شرع الأوراد للإنسان لأجل أن يبقى دائما في سرور.

٨١٥ - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهى. قيل: وما زهوها؟ قال: تحمار وتصفار». متفق عليه، واللفظ للبخاري.

هذا الحديث كالذي قبه النهي عن بيع الثمار، إلا أن هذا الحديث يشعر بأن المراد بالثمار: ثمار النخل؛ لأنها هي التي تحمار أو تصفار، وقوله: "تزهى" أو تزهو من الإزهاء وهو الطيب زها يزهو يعني: طاب ولذ، ولكنه سئل: "ما زهوها؟ " قال: "تحمار وتصفار"، فأحال على اللون؛ لأن اللون دليل على الصلاح، ولو قلنا: إن الزهو هو الطعم لاحتاج الإنسان أن يأكل قبل أن يبيع، لينظر هل حصل فيها طعم أو لا، لكن اللون كاف، وقوله: "تحمار وتصفار". لا شك أن في هذا الفعل زيادة، وكأن أصلها تحمر وتصفر فزيدت الألف، فهل الزيادة هنا تدل على المبالغة، وأن المعنى تحمار احمراراً بينا وتصفار اصفراراً بينا، أو أن هذا الألف تدل على المقاربة؟ يعني: تحمار يظهر فيها الحمرة وإن لم تكن بينة مثل ما نقول: هذا الثوب محمر أو مصفر هذا دون قولنا: هذا الثوب أحمر وأصفر؟ في هذا قولان للشارح: قول بأن المعنى: تحمار أي: تبلغ غاية الحمرة، وتصفار كذلك؛ لأن زيادة المبنى يدل على زيادة المعنى في الغالب، وقول أن هذه الصيغة تفعال تدل على المقاربة دون الكمال، يعني: حتى تقرب من كمال الاحمرار والاصفرار، فعلى القول الأول ننتظر حتى يتبين اللون تماما، وعلى الثاني مجرد ما تميل إلى الحمرة، وتبين أنها من النوع الأول يكفي، فمن احتاط وقال: أؤخر حتى تتبين الحمرة تماماً كان أولى، ومن ترخص وقال: إن ابتداء الحمرة دليل على ابتداء الصلاح اكتفى بذلك.

من فوائد الحديث: فيه دليل على ما سبق من النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، فإن وقع العقد عليها بدو الصلاح فالعقد باطل.

ومنها: جواز -بل وجوب- السؤال عن الكلمة التي لا يتبن معناها إلا بالسؤال؛ لأنهم سألوا أنس بن مالك عن الزهر ففسرها لهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>