للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأعرته إياها، ثم جئت تطلبها منه بعد يومين أو ثلاثة، فقال: ليس لك عندي ساعة جحدها ثم ثبت ببينة أن عنده ساعة فلان وأنها هذه فما الحكم؟ الصحيح: أنها تقطع يد هذا الجاحد، والدليل على أن هذا أن امرأة من بني مخزوم، وبنو مخزوم قبيلة لها سيادتها في العرب كانت تستعير المتاع فجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، فأمر قريشا شأنها، وقالوا: من يشفع فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأوا أن أقرب الناس شفاعة أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه، فذهب أسامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنكر عليه وقال: «أتشفع في حد من حدود الله؟ » أنكر عليه ثم قام فخطب الناس، وقال: «إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، أقسم وهو الصادق البار بدون قسم، لمن لتطمئن نفس من كان في قلبه شيء، ولا شك أن فاطمة أشرف النساء نسبا وأنها سيدة نساء أهل الجنة، ومع ذلك أقسم لو سرقت لقطع يدها، فهذا الحديث واضح في أن جاحد العرية تقطع يده، والذين قالوا: لا تقطع قالوا: إن في الكلام حذفا، والتقدير: أن امرأة كانت تستعير المتاع فتجحده فسرقت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، فلنا: لماذا التقدير، الأصل عدمه وحذف مثل هذا المقدر لا يجوز، لماذا؟ لأنه يختلف به الحكم، صحيح أن ما يكون فهمه من السياق يمكن حذفخ: {ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير فجاءته إحداهما تمشي على استحياء} [القصاص: ٢٢ - ٢٥]. هذه القصة فيها عدة أشياء محذوفة {تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير فجاءته إحداهما تمشى على استحياء} هذا فيه جمل محذوفة، التقدير: فذهبت المرأتان إلى أبيهما فأخبرتاه ثم أمرهما فرجعا إلى موسى، فيه تقدير أن السياق يدل عليه، لكن هذا لا يوجد فيه شيء يدل عليه، بل فيه ما يدل على عدم الحذف؛ لأن الحذف يختلف به الحكم، ونحن إذا ألغينا هذا الوصف الذي رتب عليه الحكم بالفاء "كانت تستعير المتاع فتجحده فأمر" وصف رتب عليه الحكم بالفاء، إذا ألغينا هذا الوصف وادعينا وصفا آخر فقد حرفنا النص من وجهين:

الوجه الأول: إلغاء الوصف المذكور.

الثاني: اعتبار وصف غير مذكور، وهذا لا شك أنه جناية على النصوص، لكن إخواننا كبروا علينا وقالوا: الله أكير وسبحان الله والحمد لله أليس الله يقول: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: ٣٨]. وهذه لم تسرق؟ قلنا: أما قوله تعالى: {والسارق والسارقة}

<<  <  ج: ص:  >  >>