للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: وفي لفظ: «لا يجوز للمرأة» أمر في مالها وهذه أعم مما سبق؛ لأن أمر واحد الأمور وهو نكرة في سياق النفي، فيعم العطية والبيع والرهن والاستعمال وكل شيء، في مالها إذا ملك زوجها عصمتها لا يجوز أمر، أي: لا ينفذ، ولا يحل إذا ملك زوجها عصمتها، وملك العصمة يكون بالعقد، لأنه إذا عقد على المرأة صار هو المسئول عنها وصارت عصمتها بيده منها أكثر مما يملك أبوها، والحديث معناه واضح، يعني: فلا تتبرع ولا تبيع ولا تؤجر ولا تتصدق، بل ظاهره ولا تزكي إلا بإذن الزوج، لأنه ملك عصمتها، وقوله هنا في حديث «عطية» في اللفظ الأول والثاني: «أمر» قد يقول قائل: إن بينهما تعارضاً؛ لأن العطية أخص من الأمر، إذ أن الأمر يعم والعطية تخص فهل تقيد العموم بالخصوص؟ لا، لأن حكم الخاص لا يخالف العام وقد مرت علينا هذه القاعدة وهو أنه إذا ذكر الخاص بحكم يوافق العام فإن ذلك لا يقتضي التخصيص، ويسمونه مفهوم اللقب، لأنه نص على بعض أفراد العام بحكم لا يخالف العام فلا يقتضي التخصيص.

هذا الحديث يستفاد منه فوائد: أولاً: عظم حق الزواج على المرأة حتى إنها لا تتصرف إلا بإذن الزوج مع أن البنت إذا كانت رشيدة تتصرف بمالها وإن لم يأذن أبوها، وهذا يدل على عظم حق الزوج، ويدل لذلك أيضا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمراً أحد أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها».

ومن فوائد الحديث: أنه لا يصح تصرف المرأة في مالها إلا بإذن الزوج سواء كان ذلك بعطية أو بغير عطية، وإذن الزوج قد يكون بصريح القول، وقد يكون بالإقرار، فبصريح القول مثل: أن يقول لها: «تصدقي إن شئتي» وبالإقرار مثل: أن يراها تتصدق ولا يمنعها أو تتصرف ولا يمنعها.

ومن فوائد الحديث: أن للزوج أن يمنع زوجته من التصرف في مالها؛ لأنه إذا كان تصرفها بإذنه فهو بالخيار له أن يأذن وله ألا يأذن، ولكن ليس له أن يمنع من أداء الواجب في مالها كالزكاة، فإن منع فلها أن تعصيه لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الممنوع منه إذا كان لحق العبد فإنه يزول المنع بإذن العبد بخلاف الممنوع لحق الله، فلا يزيل منعه إلا الله وهكذا جميع الحقوق- حقوق العباد- تسقط إذا وافقوا على إسقاطها.

<<  <  ج: ص:  >  >>