هذا الحديث يفيد: منه المرأة من التصرف في مالها إلا بإذن الزوج، وقد اختلف العلماء- رحمهم الله- في الحكم الدال على هذا الحديث؛ فمنهم من قال: إن هذا الحديث محكم وأنه لا يجوز للمرأة أن تتصرف بشيء من مالها إلا بإذن الزوج، ومنهم من قال: هذا الحديث محكم لكن عمومه بالنسبة للمال مخصوص بالثلث فأقل، يعني: أن لها أن تتصرف بالثلث فأقل وليس لها أن تتصرف فيما زاد، وهذا مذهب مالك، وقال: إنه إذا جاز للمريض مرض الموت المخوف والموصي له أن يتصرف بالثلث مع تعلق حق الورثة بالمال فهذه من باب أولى، ومنهم من قال: إن كلمة «امرأة» نكرة، لكن يراد بها الخاص عام يراد به الخاص، والمراد بها: المرأة السفيهة التي لا تحسن التصرف، ووجه قوله هذا بأن المرأة السفيهة إذا تزوجت فإن ولاية أبيها عليها تنتقل إلى ولاية الزوج، لأن الزوج مقدم على الأب؛ لأنها صارت معه في بيتها وهذا القول له وجهة نظر قوية، ومن العلماء من يقول: هذا الحديث منسوخ بالأحاديث الكثيرة الدالة على تصرف النساء في أموالهن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من غير أن يستأذن أزواجهن فها هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت لبريرة- وقد كوتبت بريرة على تسعة أواق من الفضة:«إن شاء أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت» بدون أن تستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم، والحديث متفق عليه أقوى من هذا سنداً وهاهن النساء حين وعظهن الرسول صلى الله عليه وسلم في عيد الفطر، خطبهن ووعظهن وقال:«يما معشر النساء تصدقن» فجعلن يلقين في ثوب بلال من الخواتم- الحلي- بدون إذن الأزواج، والحديث أيضاً في الصحيحين وهو أقوى سنداً من هذا، وعلى هذا فيكون هذا الحديث منسوخاً بالأحاديث الكثيرة الدالة على تصرف المرأة في مالها بدون إذن الزوج فصار الناس في هذا الحديث على هذه الطرق:
الأول: أنه محكم عام في المرأة والمال.
الثاني: أنه محكم مخصوص بالمال وهو ما دون الثلث، أي: من الثلث فأقل؛ يعني: لا تتصرف فيما زاد على الثلث، أما الثلث فأقل فلها ذلك.
والقول الثالث: أنه عام أريد به الخاص في المرأة السفيهة.
والرابع: أنه منسوخ، الذين قالوا بالأول قالوا: هذا مقتضي الحديث، والأصل بقاء الحديث على عمومه في المال وصاحب المال، ولأن المال مقصود للزوج، قد لا يتزوج المرأة إلا من أجل مالها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«تنكح المرأة لمالها وحسبها وجمالها ودينها» فإذا كان المال من مخصوصات العقد، فكما أن المرأة لا تفوت على زوجها منفعة بدنها فلا تفوت منفعة مالها؛ لأنه مقصود للزوج.