للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا قال قائل: أنت تقول: «مال» والحديث «عصا» ومال أعم من عصا، فكيف تستدل بالأخص على الأعم، لأن القاعدة أن يستدل بالأعم على الأخص؛ لأن العام يدل على جميع أفراده، لا أن يستدل بالأخص على الأعم، يعني: أن الدليل لا يكون أخص من المدلول.

فالجواب: أن ذكر العصا تنبيه على ما هو أعظم منه، وعلى هذا فيكون مراد النبي صلى الله عليه وسلم العموم، ونظير هذا من بعض الوجوه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحل والحرام: الغراب، والحدأ، والفارة، والعقرب، والكلب العقور» فهذه الخمس لا يقال: إن غيرها لا يقتل في الحرم، بل ما كان مثلها في الأذى كان مثلها في الحكم، وما كان أعظم منها كان أولى منها بالحكم، فالذئب مثلا يقل في الحرم؛ لأنه أشد من الكلب العقور، والحية تقتل؛ لأنها كالعقرب أو أشد، الجرد يقتل؛ لأنه كالفارة وعلى هذا فقس.

ومن فوائد الحديث: أنه إذا أخذ الإنسان مال أخيه بطيب نفس منه فلا بأس بذلك، ولكن هذا الإطلاق يقيد بالنصوص الأخرى الدالة على أنه لابد أن يكون المعامل جائز التصرف إن كان تصرفاً، وجائز التبرع إن كان تبرعاً، أيهما أوسع: التصرف أو التبرع؟ التصرف أوسع، ولهذا نقول: من جاز تبرعه جاز تصرفه، ولا نقول: من جاز تصرفه جاز تبرعه، فولي اليتيم يجوز أن يتصرف في مال اليتيم، ولكن لا يجوز أن يتبرع منه، الوكيل يجوز أن يتصرف فيما وكل به، ولكن لا يجوز أن يتبرع به، الذي عنده دين مستغرق لماله يجوز أن يتصرف في ماله ولا يجوز أن يتبرع فيه فالتبرع أضيق، وظاهر الحديث أنه لو طابت نفسه بعد التصرف جاز ذلك، وعليه فيكون فيه دليل على جواز تصرف الفضولي، وهو أن يتصرف الإنسان بمال غيره بغير ولاية ثم يأذن الغير في هذا التصرف، يسمى تصرف فضولي؛ لأنه متوقف على إذن الغير، فهذا التصرف فيه خلاف بين العلماء، والراجح أنه ينفذ في كل مسألة أجازها من له الحق، فلو بعت ملكك بدون توكيل منك ثم بعد ذلك أذنت لي وأجزت التصرف فيه خلاف بين العلماء، والراجح أنه ينفذ في كل مسألة أجازها من له الحق، فلو بعت ملكك بدون توكيل منك ثم بعد ذلك أذنت لي وأجزت التصرف فالصحيح الجواز، قال: ثم هنالك أن الإنسان يتردد فيما إذا كان الأمر يحتاج إلى نية، كما لو أديت الزكاة عنك ثم أجزتني بعد ذلك هل نقول: بأن الزكاة أجزأتك؟ أما على قول من يقول: إن تصرف الفضولي لا ينفذ إلا في مسائل معينة، فظاهره أن الزكاة لا تجزئ، وأما على القول بأن الأصل في تصرف الفضولي الصحة إذا أجيز، فإن الزكاة عندي فيها نظر، وذلك لاشتراط النية ممن تجب عليه عند الدفع، فقد يقال: إنها لا تجزئ؛ لأن المالك حين الدفع لم ينو، وقد يقال: إنها تجزئ؛ لأن الدافع فقد يقال: إنها لا تجزئ؛ لأن المالك حين الدف لم ينو؛ وقد يقال: إنها تجزئ؛ لأن الدافع نواها زكاة عن صاحبها وإذا كان نواها زكاة أجزأت، وربما يقوي هذا الاحتمال ما جرى من أبي هريرة مع الشيطان، أبو هريرة كان وكيلاً على زكاة الفطر في رمضان وقد جمع تمراً كثيراً،

<<  <  ج: ص:  >  >>