فيها الرسول صلى الله عليه وسلم اللين، وأخرى استعمل فيها الشدة، الرجل الذي كان لابسا خاتم ذهب فنزعه النبي صلى الله عليه وسلم من يده ورماه به، وهذا نوع من الشدة، والذين اشترطوا الولاء في قصة بريرة قام صلى الله عليه وسلم وخطب خطاباً توبيخياً عظيماً، فالمهم أن الإنسان ينبغي له أن يستعمل الشدة في موضعها واللين في موضعه، ولهذا قال المتنبي وهو شاعر حكيم في الحقيقة:[الطويل]
(ووضع الندار في موضع السيف بالعلا ... مضر كوضع السيف في موضع الندا)
وهذا صحيح إذا وضعت الندا يعني: الكرم والعطاء في موضع السيف فهذا مهانة وذل، بالعلا كوضع السيف في موضع الندا، يعني: في موضع الكرم لا تضع السيف، وفي موضع السيف لا تضع الكرم، بل كن حكيما في هذا وهذا.
ومن فوائد الحديث: استعمال المبالغة في الوعيد لقوله: «والله لأرمي نبها بين أكتافكم» لأن الظاهر أن أبا هريرة لم يقصد بهذا أن توضع الخشب على الأكتاف، لأن هذا أمر لا يطاق، فيكون هذا من باب المبالغة في الوعيد مع أنه أقسم رضي الله عنه.
٨٣٧ - وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه» رواه ابن حبان، والحاكم في صحيحهما.
قوله:«لا يحل لامرئ» هذه من أسماء الأجناس للرجال، ويقال في النساء امرأة، ولكن تعليق الحكم بالرجال في قوله:«لامرئ» من باب التغليب وليس من باب التقيد.
وقوله:«أن يأخذ عصا أخيه» أي: في الدين، وإن اجتمع الدين والنسب صار تأكيداً على تأكيد، وقوله:«بغير طيب نفس» أي: بغير رضا منه، لأن الإنسان إذا رضي طابت نفسه، وإذا لم يرضي لشحت نفسه بالشيء.
ففي هذا الحديث: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يأخذ الإنسان عصا أخيه بغير نفس منه، لأنه عدوان، وقد أشارت الآية الكريمة إلى هذا المعنى في قوله تعالى:{يا أيها الذين امنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}[النساء: ٢٩]
وعلى هذا أساس كل معاملة، كل معاملة لابد فيها من رضا وطيب نفس إلا ما استثنى فإن الإكراه قد يكون بحق، وإذا كان بحق صار كالرضا، لأن من لم يرض بالشرع ألزم بالرضا به.