للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، حال فإن هذا لا بأس فيه، وإن كان في الحقيقة إحالة بناقص على زائد لما كان القدر لا يختلف، وإنما الاختلاف في الوصف حق لمن أسقطه كان ذلك جائزاً، هذا هو القول الصحيح، ومن العلماء من يرى أنه لا يصح، ويرى أنه لابد أن يتساوى الدينان جنساً ووصفا وقدراً، لو أحاله برديء على جيد أو بجيد على رديء فهنا إذا أحاله بجيد على رديء فقد أحاله بزائد على ناقص فيجوز، لأن المحال أسقط بعض حقه والحق له، وبالعكس لو أحاله برديء على جيد فهنا ننظر هل الزيادة هنا في القدر أو بالوصف، هنا بالوصف، فعلى القاعدة التي أصلنا وأن الاختلاف في الوصف لا يضر، نقول: هذا لا بأس به، ولاسيما إذا أحيل بجيد على رديء هذا لا شك أنه من الإرفاق وأنه إسقاط لبعض حقه، أما إذا أحيل برديء على جيد فهنا قد نتوقف في جواز ذلك لماذا؟ لأن المحال أخذ أكثر من حقه، ولأن الغالب أن المحيل لا يحيل برديء على جيد إلا من أجل إحراج وضغط فربما يكون الطالب المحال قد أحرج المطلوب المحيل وضغط عليه فأراد أن يتخلص منه، فقال: أنا أطلب فلان مائة صاع من البر وأنت تطلبني مائة صاع فأحلتك عليه، فهنا ربنا نتوقف فيما إذا أحال برديء على جيد، أما العكس فلا شك في جوازه.

وقوله: «إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع» من فوائده: أنه إذا أحيل على غير مليء فإنه لا يلزمه الإتباع لماذا؟ لأنه علق الحكم على وصف مناسب له، فإذا انتفى هذا الوصف الذي علق عليه الحكم وهو مناسب له انتفى الحكم ضرورة أن المعول يتبع العلة، والحكم تابع للعلة وجودا وعدماً، فإذا أحيل على غير مليء فهو بالخيار إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل لأن الحق له.

ومن فوائد الحديث: أنه لو كان المحال متصرفا لغيره فهل يجوز أن يحتال مع كون المحال عليه غير مليء أو لا يجوز؟ يعني: إنسان يتصرف لغيره كولي اليتيم، وكيل لشخص أحيل على غير مليء فهل يجوز أن يحتال أو لا؟ لا يجوز؛ وذلك لأن المتصرف لغيره لا يجوز أن يتصرف إلا بالتي هي أحسن لقول الله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [الإسراء: ٣٤] ومن المعلوم أنه إذا أحاله الغني على شخص غير مليء فليس هذا بأحسن بل هو إضرار.

وعلى هذا فنقول: لو أحيل الوكيل بالدين على شخص غير مليء فإنه لا يجوز له أن يقبل، مثاله: وكلت شخصاً ليبيع لك سيارة فباعها على إنسان غني، فقال الغني الذي اشترى السيارة: أنا أحيلك على فلان يقول للوكيل، وكان فلان غير مليء فهل يجوز للوكيل في هذه الحال أن يقبل ويتحول؟ لا: لأنه يتصرف لغيره، والمتصرف لغيره يجب أن يكون تصرفه بما هو أحسن ولا يجوز أن يتصرف بما فيه الضررر، لو كان هذا الذي باع السيارة باعها لنفسه فهل يجوز أن يتحول على غير مليء؟ نعم يجوز،

<<  <  ج: ص:  >  >>