للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل عليه دين؟ فإن قلتم: إنه قد مر علينا أن نجري الأحكام على ظاهرها وألا نسأل عن المانع، ولهذا لو قال لك قائل: هلك هالك عن أبي وأم فكيف نقسم المال؟ هل تقول: الأب والأم مسلمان أو كافران أو لا يلزم؟ لا يلزم، لأن الأصل أنهما مسلمان، فلماذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أو كان يسأل هل عليه دين أفليس الأصل عدم الدين؟ الجواب: بلى، إذن ما الداعي للسؤال ما الداعي أن نبحث عن المانع الذي يمنع من الصلاة؟ والجواب عن هذا الإشكال وهو إشكال حقيقي واقع: أن الصحابة- رضي الله عنهم- يغلب عليهم الفقر، والاستدانة واردة، ولما كان الدين شأنه عظيم صار النبي صلى الله عليه وسلم يسأل هل عليه دين أم لا، هل يقاس على هذه المسألة ما إذا كان المشتهر عن هذا الرجل أنه لا يصلي وقدمت إلينا جنازته فهل نسأل هل كان يصلي أو لا؟ نعم القياس يقتضي هذا إذا علمنا أن هذا الرجل متهاون لا يصلي وهذا السؤال فيه شيء من الحرج، وفيه شيء من المنفعة، أما الشيء الذي من الحرج فإن فيه إحراجاً لأهل الميت، لأنهم لا شك سيحرجون إن كان لا يصلي فأخبروا بالصدق فهذه مصيبة، وإن أخبروا بالكذب فهذه أيضا مصيبة، فنقول: نعم، هذا لا شك أنه حرج وإحراج، لكن يترتب عليه مصالح عظيمة، يترتب عليه أن الذي يترك الصلاة سيحسب ألف حساب، ولأنه إذا علم أنه إذا مات سيسأل عن حاله ويفضح أمام الناس، ثم يحمل ويقال: لا نصلي عليه، ثم إن كان عندنا عزم وقدرة وقوة قلنا: ولا ندفنه في المقبرة بلي إذهبوا به بعيدا واحفروا له حفرة وأغمسوه فيها، الإنسان إذا علم أن هذا مآله في الدنيا والخزي في الآخرة أعظم فإنه ربما يرتدع عن ترك الصلاة فيكون في هذا فائدة عظيمة.

على كل حال: هذا الحديث يدل على هذه الفائدة وهي أنه إذا كان المانع متوقعاً فلا بأس من السؤال عنه وإلا فإن الأولى ترك السؤال، لأن السؤال عن الموانع من باب التنطع الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم «هلك المتنطعون» لكن إذا كان المانع متوقعاً وكانت الفائدة كبيرة من معرفته فلا بأس من الاستفهام عنه.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي قصد من ترجى إجابته ليصلي على الميت، ويؤخذ من كون الصحابة يقصدون النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي على جنائزهم؛ لأن الصلاة على الميت شفاعة له، ومن أقرب إلى الإجابة لصلاحه وتقواه كان أقرب إلى الشفاعة.

ومنها: حسن أدب الصحابة في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لقولهم: «فصلى عليه» ولم يقولوا: صل عليه، وتصلي كما قلنا في الشرح- جملة خبرية لكنها إنشائية، إذ أنها على تقدير همزة الاستفهام أي: أتصلي عليه؟

<<  <  ج: ص:  >  >>