للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية للبخاري: «فمن مات ولم يترك وفاء فعلي قضاؤه» فإن ترك وفاء فإنه يوفي ما تركته؛ لأن حق الورثة لا يرد إلا بعد الدين والوصية كما مر.

في هذا الحديث فوائد: أولاً: مشروعية إحضار الميت لم يرجى قبول دعوته ليصلي عليه، الدليل: أن الصحابة كانوا يأتون بموتاهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه.

يتفرع على هذا فائدة أخرى وهي: أنه ينبغي أن يؤتي بالميت إلى المسجد الذي يكون أكثر جماعة؛ لأن ذلك أقرب للشفاعة فإن من مات وقام على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً شفعهم الله فيه، وربما يؤخذ منه جواز التأخير لكثرة الجمع؛ لأن الذين يأتون بالميت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لو أنهم صلوا عليه في أمكنتهم ودفنوه لكان أسرع، لكن يأتون به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم رجاء الشفاعة، فإذا كان التأخير يسيراً لكثرة الجمع فلا بأس به، وأما التأخير الكثير الذي أصبح الناس اليوم يتباهون به يموت الإنسان اليوم يكون له أقارب في بلاد بعيدة قد يكون حتى في بلاد أوربية فينتظرون به حتى يحضر أقاربه، فهذا خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإسراع بالجنازة، وخلاف ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا ينبغي لجيفة مسلم أن تبقى بين ظهراني أهله» وهو أيضا جناية على الميت، لكن الناس لا يشعرون كيف يكون جناية على الميت؟

لأن الميت إذا كان صالحاً فإن نفسه تقول: قدموني قدموني، تطلب أن توصل إلى القبر الذي فيه النعيم يفتح له باب من الجنة يأتيها من روحها ونعيمها حتى ينسى الدنيا كلها؛ لأنه ينتقل إلى نعيم أعظم بكثير من نعم الدنيا: {الذين توفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم دخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [النحل: ٣٢] ادخلوا الجنة اليوم لأنه إذا فتح له باب إلى الجنة وآتاه من روحها ونعيمها فإنه لا شك يوقن أنه في الجنة فكوننا نؤخر الجنازة من أجل حضور فلان كأنما هي فرح وعرس يؤخر حتى يحضر الناس، لا شك أن هذا خلاف السنة وفيه جناية على الميت، أما التأخير اليسير كانتظار الظهر إذا مات بالصبح، أو انتظار الفجر إذا مات بالليل هذا لا بأس به ولا يضر إن شاء الله، لكن تأخيره يوم يومين إلى حد أنهم أحيانا يضعونه في الثلاجة، لأنه سيبقى مدة يومين أو ثلاثة فلا شك أن هذا خطأ، والواجب على طلبة العلم أن يبينوا للعامة أن هذا خلاف السنة، حتى لا يتخذوا ذلك سنة وعادة، لأن الناس إذا ارتكبوا الشيء صعب أن يتحولوا عنه، لكن إذا بين لهم أن هذا من الخطأ تركوه، وحتى الذي قد فعله أو يحدث نفسه بالفعل يرتدع.

<<  <  ج: ص:  >  >>