للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: » يوم الفتح «يعني: يوم فتح مكة في رمضان في السنة الثامنة من الهجرة، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم في مكة تسعة عشر يومًا من أجل ترتيبها، وكما تعلمون جميعًا فهي أم القرى تحتاج إلى مدة يبقى فيها الفاتح يدبر ويتصرف، بقي-عليه الصلاة والسلام-تسعة عشر يومًا منها نحو عشرة أيام في رمضان والباقي من شوال، وكان لا يصوم، أى: لم يصم رمضان مع أن العشر الأواخر أفضل رمضان، ولم يصمها النبي صلى الله عليه وسلم وكان يصلي ركعتين كل هذه المدة ويقول: » يا أهل مكة، أتموا فإنا قوم سَفر «فأثبت صلى الله عليه وسلم انهم سَفر مع انهم أقاموا أكثر من أربعة أيام، ومن المعلوم أن أحتمال أن ينقضي التدبير والتصريف لهذه البلد المفتوحة في أقل من أربعة أيام هذا الاحتمال بعيدًا جدًا، يعني: حسب الأحوال نجزم بأن الرسول قد نوى اكثر من أربعة أيام؛ لأن المقام والحال تقتضي ذلك أن يبقى مدة، ومن ثم بقي تسعة عشر يومصا يقصر الصلاة ولم يُحد للأمة حدًا معينًا، يقول: من بقي هذه المدة فقد انقطع حكم السفر في حقه، بل أطلق الأمر، فما دام الإنسان مسافرًا مفارقًا وطنه وعنده نية الرجوع إلى الوطن متى انتهى عمله فإنه مسافر، حتى إن العلماء قالوا: لو بقي إلى أن يموت أربعين سنة وخمسين سنة فهو مسافر، لكنهم اختلفوا هل هذا إذا لم يُحدد أو مطلقًا؟ فالمشهور من المذهب- وعليه أكثر أهل العلم-أنه بشرط ألا يحدد، فإذا أقام لقضاء حاجة ولكن تمدت الأيام فهو في حكم المسافر ولو بقي سنين، لكن لو حدد فهذا هو موضع الخلاف بين أهل العلم، وابن القيم في زاد المعاد قال: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم تفريق بين من حدد وبين من لم يحدد بل أطلق على كل: هذه المسألة الخلاف فيها معروف، لكن قصدنا أن الفتح كان في رمضان في السنة الثامنة من الهجرة.

فقال: » مرحبًا بأخي وشريكي «، الرُحب بمعنى: السعة، ومنه رحبة البيت: المكان المتسع أمامه، ورحبة المسجد: المكان المتسع في المسجد، فمعنى مرحبًا، أي: سكنت مكانًا مرحبًا أي: واسعًا، أكثر الناس يرون أن مرحبًا تحية، لكن لا يدرون ما معناها، لو قلت ما معناها؟ يقول: تحية، أما لو قلت له: مرحبًا مشتق من الرحبة ومنه رحبة المسجد ورحبة البيت، قال: لا نعرف هذا هي تحية، المهم هذا معناها في اللغة.

وقوله: » أخي وشريكي «الشاهد قوله» شريكي «، فقرر النبي صلى الله عليه وسلم الشركة، والشركة كما سمعتم آنفًا في اللغة هي الخلطة أو الاختلاط، وفي الاصطلاح: هي اجتماع لاستحقاق أو تصرف.

من فوائد الحديث: جواز الشركة، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها بعد الفعل، وفيه دليل على أن ممارسة البيع والشراء لا تقدح في المروءة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شارك السائب المخزومي، فممارسة العقود لا تعتبر قدحًا في الإنسان، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه باع واشترى، بل إنه

<<  <  ج: ص:  >  >>