الحجرة صفتها كذا وكذا طولاً وعرضاً ثم بعد هذا كله قال: رجعت عن إقراري هل نقبله؟ أبداً لا نقبله؛ لأن هذه قرائن تدل على كذبه في الرجوع.
ما الدليل القائلين بقبول الرجوع فيما يوجب الحد؟ دليلهم: حديث ماعز بن مالك رضي الله عنه أنهم لما بدءوا يرجمونه وأذلقته الحجارة هرب حتى أدركوه وأكملوا عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه»، فقالوا: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل توبة هذا الرجل فقبول الرجوع كذلك، ولاشك أن هذا قياس مع الفارق العظيم؛ لأن المقر أراد رفع الحكم من أصله، أما هذا فقد بقى على إقراره بالزنا، لكن أراد المخرج بالتوبة فقال:«هلا تركتموه ... الخ» لو أن المقر هذا جاءني وقال: أنا أقررت ومازلت على إقراري، ولكن دعوني أتوب إلى الله عز وجل ولم تبلغ الحدود إلى السلطان فإننا ندعه ونقول: دعوه يتوب فيتوب الله عليه، أما إذا وصلت إلى السلطان فلا ترفع، لأن الله قال:{إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليه}[المائدة: ٣٤].
على كل حال: لا دلالة في حدث ماعز على قبول رجوع المقر، وقد أنكر شيخ الإسلام ابن تيمية دلالة حديث ماعز على ذلك وقال إنه لو قبل رجوع المقر بالحد عن إقراره ما أقيم حد في الدنيا؛ لأن غالب الحدود في الزنا إنما تثبت عن طريق الإقرار، بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابة «منهاج السُنّة» قال: إنه لم يثبت الحد بالبيّنة إلى يومنا هذا، كل الحدود التي أقيمت في الزنا إنما كانت بالإقرار؛ وذلك لأن الشهادة بالزنا ليست هينة لابد أن يتفق الشهود على الشهادة، ولابد أن تكون الشهادة على أنهم رأوا ذكره في فرجها، من يرى هذا؟ صعب حتى رأوه فوقها لا يستطيعون أن يقولوا: إن ذكره في فرجها، ولذلك لا يثبت حد الزنا بشهود أبدًا ولا أظنه يثبت، لكن لو قال لنا قائل: يمكن الآن يثبت بماذا؟ بالتصوير، قلنا: ولا يثبت بالتصوير؛ لأن هناك ما يسمى بالدبلجة، المهم يمكن أن يأخذوا من هذا ومن هذا ويكونّون صورة، فلسنا على يقين حتى في التصوير مشكل والحد لابد فيه من ثبوت، فإذن إذا قلنا بأنه لابد من أن يقيم المقر على إقراره، وفتحنا باب الرجوع فإنه لا يمكن أن يقام حد الإقرار على سبيل الوجوب؛ لأن كل مقر يمكنه أن يرجع لاسيما في عهدنا الحاضر يُحبس ويُلقن الرجوع ثم بعد أن يكتب إقرارًا وإمضاءه على الإقرار ويثبت كل شيء ويحبس يقول له الذين في الحبس: أنكر وأرجع، فيقول: رجعت، فيأتي من الغد يقول: رجعت عن إقراري؟ فماذا نقول له؟ بعد العمليات كلها وإضاعة الوقت والإثبات عليه يرجع في إقراره ويذهب.
على كل حال: الإقرار في حق الآدمي لا يقبل الرجوع، وفي حق الله من العبادات الخاصة يقبل الرجوع؛ لأن هذا شيء بينه وبين الله في الحدود فيه خلاف بين العلماء، والراجح أنه لا يقبل الرجوع ما لم تقم بيّنة تؤيد رجوعه بحيث يقيم بينة أنه أكره على الإقرار لم يثبت ثبوتًا