شرعيًا تبرأ به الذمة، أما حكم الإقرار فإنه يقبل الرجوع؛ لأن أصل إقراره لم يثبت ثبوتًا شرعيًا تبرأ به الذمة، أما حكم الإقرار فهو واجب؛ يعني: يجب على الإنسان أن يقر بما عليه في أصله ووصفه في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم}[النساء: ١٣٥]. وإذا أقر الإنسان في الدنيا وأخذ الحق منه كان هذا أفضل له وأطيب مما لو جحد وأخذ منه في الآخرة؛ لأنه في الدنيا يؤخذ منه من ماله والمال يأتي خلفه، لكن في الآخرة لا يوجد خلف إذا أُخذ من أعماله الصالحة، ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قال:«ما تعدون المُفلس فيكم؟ »، قالوا: من لا درهم عنده ولا متاع، قال:«لا المُفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا، فيأخذ هل من حسناته وهذا من حسناته وهذا من حسناته فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاتهم وطرح عليه، ثم طُرح في النار»، وهذا هو المُفلس، ولهذا ذكر عن بعض السلف أنه إذا قيل له: إن فلانًا اغتابك أرسل إليه هدية، فيقول: ما هذا؟ قال: لأنك أهديت إليّ حسناتك، وأنا أهدي إليك متاع الدنيا، أيهما أبقى؟ الحسنات خير وأبقى، وهذا هو الواقع.
إذن الواجب على الإنسان أن يقر بما عليه في الدنيا حتى يستوفي قبل أن يموت.
٨٥٠ - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «قل الحق ولو كان مرا». صححه ابن حبان في حديث طويل.
«قل» فعل أمر، والأمر للوجوب، «قل الحق ولو كان مرا» يعني: ولو كان القول مُرًّا، وهذا أحسن من أن تقول ولو كان الحق مرًا؛ لأن الحق وإن كان مر المذاق في أول وهلة لكن عاقبته أن يكون حلوًا، فلو قلنا: قل الحق ولو كان القول مرًا صارت المرارة وصفًا للقول لا للمقول؛ لأن المقول حتى والحق حلو.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«قل الحق» ما هو الحق؟ الحق هو ما وافق الواقع؛ لأن ما وافق الواقع هو ثابت، فيكون حقًا، والحديث يدل على وجوب قول الحق ولو أذاق الإنسان مرارة قوله، فلو أن رجلًا جنى على شخص مثلًا قطع يد إنسان عمدًا ثم أمسك الجاني وليس للمجني عله بنية، فإن بإمكان الجانب أن يرفع القطع بماذا؟ بالإنكار، فيقول للمدعي: هات بنية أني أنا الذي قطعت يدك، لكن إذا قال: نعم. أنا الذي قطعت يده فهذا القول سيكون مرًا عليه لكنه حق، كيف يكون مرًا؟ لأنه إذا أقرّ فسوف تقطع يده، وهذا لاشك أنه مرّ على الإنسان وصعب، لكن