المؤمن لا يهمه أن يفوت عضو منه في الدنيا لبقاء حسناته في الآخرة، وعموم الحدث يقتضي أيضًا أن يقول الحق ولو كان مرًا في غير إقرار مثل أن يقول كلمة حق عند سلطانٍ جائر، فإن هذا الحق سيكون مرًا؛ لأن السلطان يخشى من بطشه إذا قيل الحق عنده وهو لا يوافق هواه، ولهذا ورد في الحديث:«أعظم الجهاد كلمة حق عن سلطان جائر»، ويشمل الحديث شهادة الإنسان على أبيه، وعلى ابنه، وعلى أخيه، وعلى قريبه؛ لأن شهادة الإنسان على هؤلاء ستكون مره لكنها قول حق، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقول الحق، ولو كان القول مرًا ويؤخذ من مفهوم الحديث: وجوب اجتناب قول الباطل، ولو كان حلوًا فلا يجوز للإنسان أن يشهد لأحد من أقاربه بشيء هو يعلم أنه كاذب، وإن كان هذا قد ينال لذة ومتعة بهذه الشهادة للقريب، لكن ذلك خلاف الحق، فلا يجوز له أن يشهد به، ومن ذلك إذا كان في قول الإنسان الباطل انتصار لنفسه كما يجري بين الطلبة في المناظرات فتجد الإنسان يعدل عن قول الحق إلى قول الباطل من أجل أن ينتصر لنفسه، فيجد لذلك متعة لأنه انتصر ولو بالجدال بالباطل، وهذا حرام لا تقل الباطل، ولو كان حلوًا؛ لأن الأمر بقول الحق ولو كان مرًا يدل على النهي عن قول الباطل ولو كان حلوًا، ومن ذلك ما يفعله بعض المنافسين عند السلاطين والولاة يأتون إليهم يما يُخالف الواقع مما يكون في رعيتهم من أجل أن يدخلوا عليهم السرور في تلك اللحظة فيجدون في ذلك متعة أنهم قالوا شيئًا يُعجب رئيسهم ومديرهم وإن كانوا يعلمون أن هذا خلاف الواقع، فهؤلاء خالفوا ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الواجب أن تجتنب قول الباطل مهما كان، ولو كان في القول به إرضاء أبيك أو أبنك أو أخيك.
«قل الحق ولو كان مرًا» ما وجه دخول الإقرار في هذا الحديث؟ وجه ذلك: أن المُقرّ بما عليه يجد أن في هذا الإقرار مرارة، لكن يجب عليه أن يقول به، عدل المؤلف عن حديث الإقرار من هذا وهو ما يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا عُذر لمن أقر» هذا الحديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه ضعيف إلا أن الفقهاء -رحمهم الله- يعبرون به في كتبهم، ويقولون:«لا عذر لمن أقر»، وإذا أقر الإنسان بما عليه فهل يجب أخذه بمتض هذا الإقرار؟ الجواب: نعم، هل يقبل رجوعه