استعرت منه سيارة لأسافر بها إلى الرياض وأرجع، من المعلوم أن السيارة إذا مشت على الإزفلت سوف تتآكل عجلاتها فهل نقول لا تمش فيها لأنك لو مشيت لتآكلت العجلات فتؤديها لصاحبها على غير ما أخذت عليه؟ لا، لماذا؟ لأن هذا من لازم الانتفاع، إذن يُخصص من عموم هذا الحديث أنه متى نقصت العارية بالانتفاع المأذون فيه فإنه ليس على المستعير ضمانها.
يؤخذ من هذا الحدث فوائد: أولًا: حرص الإسلام على أداء الأمانة؛ لقوله:«حتى تؤديه»، فلو استعرت من سيارة سافرت عليها ورجعت وانتهت الاستعارة فقلت: تعال خذ سيارتك، قال: لا، أحضرها أنت، من الصواب معه؟ مع صاحب السيارة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:«حتى تؤديه».
استعرت منه مُسجلًا أسجل به قراءة وانتهيت من التسجيل فقلت: تعالى خذ المسجل، فقال: ائت بالمسجل أنت، فقلت: كيف؟ المسجل لك متى شئت خذه، هل أنا ظالم؟ نعم، المستعير ظالم، كيف يحسن إلي وأقول: أنت الذي تأخذ مالك: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» مرّ علينا قبل مدة أن الواجب على من أطارت الريح ثوب جاره إلى بيته أن يعلمه به أو يسلمه له، فلماذا تقول يكفي الإعلام؟ لأني لم آخذه لمصلحة، لم يكن في بيتي لمصلحة حتى أؤديه، إنما أطارته الريح على بيتي وأنا لست مُلزمًا بأن أحمله إليه، وربما يكون الشيء ثقيلًا يحتاج إلى مؤنه قد تحمل الريح من على سطح جاري شيئًا ثقيلًا حينئذ لا يلزمني حمله بل يكفي الإعلام.
ومن فوائد الحديث: وجوب العناية بالعارية وحفظها عن التلف؛ لأنه لا يمكن أداؤها كما أخذها الإنسان إلا بذلك.
ويترتب على هذه الفائدة: أنه لو تعدى أو فرّط فهو ضامن؛ لأنه ترك ما يجب عليه، ومن ترك ما يجب عليه لم تكن يده يد أمانه، وكل يد ليست يد أمانه فإنها ضامنة، أما حديث أبي هريرة:
٢ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك». رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، صححه الحاكم، واستنكره أبو حاتم الرازي، وأخرجه جماعة من الحُفّاظ وهو شامل للعارية.
«أدِّ» الخطاب لواحد، لكن المراد به كل يتأتى خطابه، وعلى هذا فيشمل جميع الأمة أد.