للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مضى من وقتها هكذا، ثم ابتليت بالاستحاضة فكان لها تمييز في نصف الشهر في الخامس عشر من الشهر يأتيها دم أسود ثخين منتن في أول الشهر الذي هو أول عادتها دم أحمر فهل تغلب التمييز أو تغلب العادة؟ فيها قولان، وهما روايتان عن الإمام أحمد:

أحدهما: أن تغلب العادة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة"، وقوله: "اجلسي قدر ما كانت حيضتك تحبسك"، ولم يفصل ولأن هذا أيسر للنساء إذا رجعن إلى العادة فهو أيسر؛ لأن تغير الدم قد يختلف على المرأة، قد يكون في أول الشهر، في وسطه، وقد ينقطع وقد لا ينضبط لكن إذا قلنا تعمل بالعادة، فالعادة منضبطة.

الثاني: قال بعض أهل العلم: بل تعمل بالتمييز إذا تعارض التمييز مع العادة؛ لأنه ربما كان هذا المرض وهو الاستحاضة سببا في تغير العادة بحيث انتقل الحيض من أول الشهر إلى وسطه، ولا شك أن هذا له وجهة نظر قوية جدا، لكن كما قلت لكم: ظاهر السنة ورحمة الأمة أن ترجع إلى العادة والحمد لله ما دام الرسول - عليه الصلاة والسلام- أطلق ولم يفصل فإننا نحمد الله على ذلك، ونقول بهذا لأنه أيسر للنساء.

ومن فوائد هذا الحديث: وجوب غسل دم الحيض لقوله: "ثم اغسلي عندك الدم"، وهل يعفى عنه - يعني: يسيره- الجواب: لا، لا يعفى عن يسيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الثوب يصيبه دم الحيض "تحته ثم تقرصه، ثم تغسله، ثم تصلي فيه"، وهذا يدل على أن الواجب إزالة دم الحيض قليلا كان أو كثيرا، ولا يعفى عن شيء منه، دم الاستحاضة هل يعفى عنه؟ قال بعض العلماء: يعفى عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنه دم عرق"، والأطهر أنه لا يعفى عنه، وأن جميع ما خرج من السبيلين فهو نجس لا يعفى عنه إلا الماء الذي ينزل ويكون مستمرا مع المرأة وهو ما يسمى برطوبة فرج المرأة، فهذا طاهر.

ومن فوائد هذا الحديث: وجوب التطهر من النجاسة، من أين يؤخذ؟ من قوله: "ثم صلي"، و "ثم" للترتيب فلا يجوز للإنسان أن يصلي وبدنه متلطخ بنجاسة، فإن نسي وصلى فصلاته صحيحة لقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: ٢٨٦]. فإن كان ليس عنده ما يزيل به النجاسة فليخففها ما أمكن وليصل.

وهل يتيمم لنجاسة البدن؟ فقهاء الحنابلة - رحمهم الله- يقولون: يتيمم؛ لأن هذه طهارة تتعلق بالبدن فأشبهت الوضوء، والصحيح أنه لا يتيمم للنجاسة، بل يزيلها ويخففها ما أمكن، ثم يصلي على حسب حاله، ثم قال: "وللبخاري: "ثم عتوضئي لكل صلاة" الخطاب لمن؟

<<  <  ج: ص:  >  >>