تابع لما تحته، فالإنسان يملك ما تحت أرضه إلى الأرض السابعة، ويملك ما فوق أرضه إلى السماء، فلو أن أحدًا أراد أن يحفر سربًا تحت أرضه فله أن يمنعه، ولو أراد أن يخرج جناحًا من بنائه على هواء جاره فله أن يمنعه من ذلك؛ لأن الإنسان يملك ما تحت أرضه إلى الأرض السفلى، وما فوق أرضه إلى السماء الدنيا.
ومن فوائد الحديث: أن يوم القيامة لا يقاس بأيام الدنيا؛ لأن تطويق الشخص من سبع أراضين بمقدار ما غصب من الأرض العليا أمر يبدو مستحيلاً في الدنيا، ولنفرض أنه اقتطع أميالاً ظلمًا فإنه يطوق إياه يوم القيامة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يمكن في الدنيا أن يتحمله الإنسان، ولكن يقال: إن أحوال الآخرة ليست كأحوال الدنيا، بل هي تختلف اختلافًا عظيمًا، ولهذا تدنو الشمس يوم القيامة من الخلائق بمقدار ميل، ولا يحترقون مع أنها لو دنت إلى الأرض الآن بمقدار أنملة لفسدت الأرض واحترقت، كذلك أيضًا يحرق الناس يوم القيامة، فمنهم من يبلغ العرق إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه ومنهم من يبلغ إلى حقويه ومنهم يلجمه العرق وهم في مكان واحد، كذلك أيضًا يوم القيامة، نور المؤمنين يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، وغير المؤمنين في ظلمة، وهذا أيضًا لا يمكن أن يكون في الدنيا، إذن فأحوال الآخرة لا يمكن أن تقاس بأحوال الدنيا أبدًا لوجود الفارق العظيم، والأبدان يوم القيامة تعطي طاقة عظيمة أكثر من طاقتها؛ لأنها تنشأ للبقاء لا للفناء، أما في الدنيا فإنها تنشأ للفناء، ولكن في الآخرة تنشأ للبقاء، فتكون الطاقات في ذلك اليوم غير الطاقات في هذا اليوم، يتفرع على هذه القاعدة: أننا لا نورد على أنفسنا ولا على غيرنا كيف يكون كذلك، لماذا؟ لوجود الفارق العظيم بين هذا وهذا، ويتفرع على هذا أيضًا: أنه إذا كان الاختلاف بين الخلق لاختلاف الدارين فما بالك بالاختلاف بين الخلق والخالق، وعلى هذا فلا يمكن أن تقول في شيء من صفات الله يستحيل أن يوجد في صفات المخلوقين لا يمكن أن نقول: كيف ولم فمثلاً علو الله عز وجل فوق المخلوقات كلها أمر ثابت ونزوله إلى السماء الدنيا نفسه أمر ثابت أيضًا، وهذا يبدو بالنسبة للمخلوق أمرًا مستحيلاً لكنه بالنسبة للخالق ليس بمستحيل، أي: ليس بمستحيل أن يكون الله فوق كل شيء وهو نازل إلى السماء الدنيا؛ لأن الله لا يقاس بخلقه، وهذه قاعدة ينبغي لكم أن تفهموها: أنه لا يمكن أن يقاس الغائب بالشاهد، فإذا صح النقل عن صفة من صفات الغائب وجب قبوله ولا نفسه بالشاهد.