للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٨٥٦ - وعن أنس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعةٍ فيها طعام، فضربت بيدها فكسرت القصعة، فضمها وجعل فيها الطعام، وقال: كلوا، ودفع القصعة الصحيحة للرسول، وحبس المكسورة". رواه البخاري، والترمذي، وسمى الضاربة عائشة، وزاد: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «طعام بطعامٍ، وإناء بإناءٍ» وصححه.

أدخل المؤلف رحمه الله هذا الحديث في باب الغضب؛ لأنه داخل في معنى الغصب، وهو الاستيلاء على مال الغير قهرًا بغير حق، لكن هذا الحديث ليس غصبًا واضحًا؛ لأنه إنما فيه اعتداء لا غصب، هذه القصة كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه وهي عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها، وكانت أحب نساء النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وكانت رضي الله عنها أشد نساء النبي صلى الله عليه وسلم غيرة فيه لشدة محبتها له، وكانت أصغر نسائه، فاجتمع في حقها ثلاثة أسباب: شدة الغيرة، وصغر السن، وشدة المحبة، فيجري منها هذا، أرسلت إحدى نساء الرسول - وهي زينب بنت جحش - إلى النبي صلى الله عليه وسلم طعامًا وهو في بيت عائشة، وهذا شيء عظيم عند الضرة أن ترسل إليها ضرتها بطعام وهو عندها؛ لأن هذا يثيرها، كيف ترسل طعامًا إليه وهو عندي، هل أنا ناقصة، هل أنا لا أجد ما أعطيه؟ هذه مضادة، فلما جاء بها الرسول يقول: ضربت بيدها فكسرت القصعة، يعني: ضربت القصعة حتى وقعت على الأرض وانكسرت، وهذا الفعل قد يدل أيضًا على قوة الغيرة، والغيرة مثل الغضب قد يفقد الإنسان فيها تصرفه، ولا يستطيع أن يملك نفسه، فلم يعنفها ولم يوبخها بل ضم القصعة هكذا وجعل الطعام فيها، والظاهر - والله أعلم - أن هذا الطعام لا يتأثر إذا وقع على الأرض، ولعله كان تمرًا، فضمها وجعل فيها الطعام، وقال: "كلوا" ودفع القصعة الصحيحة - قصعة عائشة - للرسول وحبس المكسورة لعائشة وقال: "طعام بطعام، وإناء بإناء"، وكأن الطعام الذي هيأته عائشة كأنه دفعه مع قصعتها، وقال: "طعام بطعام، وإناء بإناء"، هذا هو الظاهر ويحتمل أن يكون الطعام الذي جاء فسد لوقوعه على الأرض وأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وجعله في القصعة المكسورة، وقال: "كلوا" وحينئذ يكون طعامًا بطعام وإناء بإناء؛ لأن الطعام الذي بعثت به زينب جعل النبي صلى الله عليه وسلم طعام عائشة في قصعة زينب حتى يكون طعام عائشة كأنه طعام زينب، وحينئذ يكون النبي صلى الله عليه وسلم أكل طعام زينب لا طعام عائشة، فيكون طعامًا بطعام، أما الإناء فإن الرسول قد أعطى إناء عائشة لزينب وقال: "إناء بإناء".

<<  <  ج: ص:  >  >>