يصح السلم فيه فإنه لا يكون مثليًا، وهذا التعريف هو الذي مشى عليه فقهاء الحنابلة - رحمهم الله - ولكن القول الصحيح: أن المثلي ما له مثيل ونظير، سواء كان مكيلاً أو موزونًا أو معدودًا أو مذروعًا أو حيوانًا أو غير ذلك، كل شيء له مثيل ونظير فهو مثلي حتى وإن كان مصنوعًا، ويدل لهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل القصعة السليمة مكان القصعة التي كسرت، ولو كان هذا من باب المقومات لأرسل النبي صلى الله عليه وسلم القيمة دون القصعة.
فإن قال قائل: أليس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من أعتق شقصًا له في عبد وله شريك لم يعتق فإن العتق يسري إلى العبد بقيمته - بقيمة الشقص المشترك - ومعلوم أن العبد له مثيل؟
الجواب أن نقول: بلى قد يثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن شقص العبد ليس مثليًا لأنه ليس له مثل، مثال ذلك: زيد وعمرو شريكان في عبد، فأعتق زيد نصيبه من هذا العبد، حينئذ يسري العتق إلى نصيب شريكه فيعتق العبد كله جبرًا بدون اختيار، ويضمن زيد الذي أعتق نصيبه لشريكه عمرو قيمة نصف العبد، فهنا أوجب النبي صلى الله عليه وسلم القيمة مع أن العبد له، مثل عبد بعيد، فما الجواب؟ الجواب أن يقال: أنه هنا ليس عبدًا كاملاً ولكنه نصف عبد، ونصف العبد لا يوجد، لاسيما إذا قلنا: إن العبد إذا أعتق نصفه صار العتق إلى بقيته، إذن فوجود المثل في هذه المسألة متعذر فيكون فيها دليل على أنه إذا تعذر المثل رجعنا إلى القيمة، هذا هو الصحيح ويدل عليه هذا الحديث. لو أن رجلاً أتلف لرجل شاة فبماذا يضمنها؟ شاة على القول الراجح، وعلى قول من يقول: إن المثلي المكيل والموزون بالشروط المعروفة فإنه يضمنها بالقيمة.
فإذا قال قائل: هل يلزم أن تكون الشاة البديلة مماثلة للشاة المضمونة أو لا؟
نقول: أما شرعًا فلا يجوز أن يضمن هزيلة بشاة سمينة أو شاة سمينة بشاة هزيلة، وأما عند المخاصمة والمشاحة فإنه لابد أن تكون البديلة مثل المضمونة، فمثلاً رجل أتلف لشخص شاة هزيلة تساوي عشرة ريالات، وعند المتلف شاة سمينة تساوي عشرين، فقال المتلف لصاحب الشاة المتلفة: خذ شاتي بدلاً عن شاتك، يجوز هذا ما دام برضاه يجوز، وكذلك العكس لو كانت الشاة المتلفة السمينة تساوي عشرين درهمًا ليس عند المتلف شاة إلا هزيلة لا تساوي إلا عشرة ورضي صاحب الشاة المتلفة: خذ شاتي بدلاً عن شاتك، يجوز هذا ما دام برضاه يجوز، وكذلك العكس لو كانت الشاة المتلفة السمينة تساوي عشرين درهمًا ليس عند المتلف شاة إلا هزيلة لا تساوي إلا عشرة ورضي صاحب الشاة المتلفة بالشاة الهزيلة، يجوز، لأن الحق له، ومعلوم أن الإنسان يجوز أن يستوفي حقه بأقل من ماله وبأكثر إذا رضي الطرف الآخر، إذن هذه القصعة الصحيحة هل هي تساوي الأخرى أو مثلها أو أحسن منها؟ محتمل، ليس في الحديث ما يدل على هذا، وإذا كان محتملاً وجب الرجوع إلى القواعد العامة، وهو أن الواجب أن يضمن الشيء بمثله، ولكن إذا اختار أحد الطرفين أن يأخذ أقل من حقه أو أكثر فلا بأس.