كثر، والاحتمال الرابع يحصل به العدل من جهة أننا رددنا إلى الزراع عين ملكه ويحصل به منع الظلم من حيث إن الزارع لم يحصل على كسب بل حصل على خسارة.
٨٥٨ - وعن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: قال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض، غرس أحدهما فيها نخلاً، والأرض للآخر، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض لصاحبها، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله. وقال: ليس لعرقٍ ظالم حق». رواه أبو داود، وإسناده حسن.
هذا أيضًا فيه غصب يقول:"قال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"، وهذا فيه إشكال من جهة أن هذا الراوي مجهول، ومعلوم أن جهالة الراوي توجب الطعن في الحديث، فإن أسباب الطعن كما في نخبة الفكر، عشرة منها جهالة الراوي، فيكون هذا الحديث ضعيفا لجهالة رواية؟
والجواب عن ذلك أن نقول: إن جهالة الصحابي لا تضر؛ لأن الصحابة كلهم عدول، وأصل التعليل بجهالة الراوي من أجل أننا لا نعلم عدالته، فإذا كان الصحابة - رضي الله عنه - كلهم عدول فإنه لا يضر أن تجهل عين الراوي من الصحابة.
فإن قال قائل: قولكم: إن الصحابة كلهم عدول منقوض بالقرآن؛ لأن الله قال:{والذين يرمون أزواجهم ولم يكن له شهداء ... }[النور: ٦]. وقد وقعت هذه القصة مع الصحابة، فإن هلال بن أمية قذف زوجته بشريك بن سحماء وكلاهما صحابيان، وقال الله تعالى:{يأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا}[الحجرات: ٦]. وهذا إثبات بالفسق فيمن جاء بالنبأ، فكيف تقولون: أن الأصل في الصحابة العدالة وأن جهالتهم لا تضر؟
فالجواب: عن ذلك أن نقول: هذه القضايا المعينة المحصورة بعدد ضعيف لا تمنع من الحكم بالجملة على العدالة في جميعهم؛ لأن الأصل هو العدالة، ثم إن هذا الذي يقع منهم إذا وقع في شخص معين لا يقتضي أن يكون قدحًا في الجميع، ثم إنه إذا وقع من هذا الشخص المعين فإن له من الصحبة وتقدم الإسلام والغزوات مع الرسول صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من المقامات الفاضلة ما ينتفي به القدح فيهم - رضي الله عنهم - ولهذا كان جهالة الصحابي لا تضر وإن كان يقع من بعضهم ما يقع، فهو قيل النذر لا من حيث عمل الفاعل ولا من حيث عدد الصحابة مغمور في جانب ما لهم من الفضائل العظيمة الكثيرة.