للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: «رجلين اختصما»، و"رجلين" مبهم، وهذا يوجب القدح في الحديث أو لا؟ لا يوجب إطلاقًا؛ لأن معرفة صاحب القضية ليس شرطًا في الصحة.

يقول: "اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم"، "إلى" هنا للغاية وللانتهاء، أي: أن خصومتها بلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاختصام افتعال، من خصمه إذا غلبه في الحجة، فمعنى "اختصما" أي: كل واحد منهما طلب أن يكون هو الغالب في الحجة، محل الخصومة أرض لواحد والنخل لواحد، يعني: أن أحدهما غرس في أرض الآخر. يقول: "فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض لصاحبها" "قضى": أي: حكم بأن الأرض لصاحبها، وهل صاحب النخل الذي غرس؟ أقر بأنها مملوكة لغيره؟ قطعًا، وإلا فكل واحد منهما مقر بأن ملك صاحبه لصاحبه، فصاحب النخل يقر بأن الأرض ليست له، وصاحب الأرض يقر بأن النخل ليس له، "وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله"، يعني: يقتلعه من الأرض من أجل أن يخلي الأرض لصاحبها، ولكن هذا قد يكون فيه ضياع للمال ومفسدة؛ لماذا؟ لأن ربما هذا النخل يموت، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «ليس لعرق ظالم حق»، فهذه العروق عروق النخل ليس لها حق؛ لأنها وضعت بغير رضا صاحب الأرض.

فوائد الحديث الذي قبله، أولاً: تحريم الزرع في أرض قوم بلا إذنهم، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الزرع لصاحب الأرض ولو كان بحق، ولو كان جائزًا لكان الزرع لصاحبه؛ أي: للزارع.

ومنها: أن ما حرم لحق العباد جاز إذا أسقطوا حقهم لقوله: «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم»، فعلم من هذا أنهم لو أذنوا فلا حرج.

وهل يمكن. أن يؤخذ من عمومه أنهم لو أذنوا ولو بعد خروج الزرع؟ إن صح أن تؤخذ هذه الفائدة صار في ذلك دليل على جواز تصرف الفضولي ونفوذه إذا أجيز.

ومن فوائد الحديث: أنه إذا وقعت مثل هذه الصورة فإن الزرع يكون لصاحب الأرض وللزارع نفقته.

أما الحديث الثاني: ففيه دليل على وقوع المخاصمة بين الصحابة - رضي الله عنهم - وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر اختصام الرجلين في هذه المسألة. وفيه دليل على أن الأختصام لا ينافي العدالة إذ لو نافي العدالة لكان في هذا الاختصام قدح في الصحابيين المختصمين إلا إذا كان الاختصام في باطل فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمين هو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان".

<<  <  ج: ص:  >  >>