للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨٥٩ - وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بمنى: "إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا". متفق عليه.

كان من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يتحين الفرص في إبلاغ القواعد العامة، ولا فرصة أعظم من اجتماع الناس في الحج؛ لأن الناس كلهم مجتمعون حتى إنه قبل: إن الذي حج معه نحو مائة ألف والصحابة كلهم مائة وأربعة وعشرون ألفًا، يعني: عامة المسلمين حجوا معه، فكان صلى الله عليه وسلم في هذا الحج يخطب الناس يعلمهم مناسك الحج؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك ويعلمهم القواعد الثابتة الراسخة، منها هذا الحديث، وقد سألهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أي يوم هذا؟ أي شهر هذا؟ أي بلد هذا؟ "، سألهم ليستعدوا لما سيلقي عليهم، لأن المقام مقام عظيم.

لما سألهم أي يوم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، ظنوا أنه سيسميه بغير اسمه؛ إذ استبعدوا أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا اليوم وهو معروف أنه يوم النحر، قال: "أليس يوم النحر؟ " قالوا: يقولوا: شهر ذي الحجة كما أنه بين لهم أن هذا اليوم يوم النحر، لكن قالوا: ربما يكون أراد يوم النحر ولم يرد شهر ذي الحجة، لا ندري، فمن كمال أدبهم - رضي الله عنهم - أن قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «أليس شهر ذا الحجة؟ » قالوا: بلى، «أي بلد هذا؟ » قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «أليس البلد الحرام؟ » قالوا: بلى، قال: «إن دمائكم وأموالكم - والذي أحفظه - أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا». فأكد تحريم الدماء والأموال، الدماء تطلق على القتل فما دونه من الجروح، فإن القتل لا شك أنه يريق الدم، والجرح الذي دون القتل أيضًا يريق الدم وكلاهما حرام، لكن هناك مستثنيات مثل النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة، المهم: هذه القاعدة لها استثناء، كذلك أيضًا الأموال حرام لا يحل للإنسان شيء من مال أخيه بغير حق، لا أن يكتم ما يجب عليه ولا أن يأخذ ما ليس له؛ لأن أخذ الأموال إما كتم ما يجب بذله، وإما أخذ ما لا يجوز أخذه، فإذا كان في ذمة زيد لعمرو مائة درهم وجحدها زيد، هذا أكل للمال بالباطل، لكن عن طريق جحد ما يجب بذله، رجل آخر اعتدى على دكان شخص أخذ مائة مائة درهم هذا أيضًا حرام، نوعه أخذ ما لا يجوز أخذه، فالأموال مثل الزكاة، الرهن الحجر كما هو معروف، المهم: أن هذه القاعدة لها استثناءات، "كحرمة يومكن هذا" هذا من باب التأكيد، "حرمة يومكم هذا": يوم النحر، "في شهركم هذا": مكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>