للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هي على خلاف القياس؛ لأن القياس ألا يؤخذ المال إلا برضا: {يأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجرة عن تراضٍ منكم} [النساء: ٢٩]. ولكنه لا يصح القول أبدًا أن في الشريعة ما هو على خلاف القياس، كل ما في الشريعة فهو على وفق القياس؛ لأن معنى خلاف القياس أن العقل لا يؤيده أو أنه مناقض للقاعدة المطردة في الإسلام، لكن ليس في الشريعة الإسلامية ما يخالف العقل، وليس في الشريعة ما يخالف القواعد العامة في الشريعة.

فإن قال قائل: أليس يروى عن علي بن أبي طالب أنه قال: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه".

فالجواب: أن هذا الحديث إن صح لأنه مختلف في تصحيحه ولكنه حسن فمراده بالرأي الذي يكون بادي الرأي لأول وهلة، أما عند التأمل فإنه يتبين أن مسح أعلى الخف أولى من مسح أسفله، كيف؟ لأن المسح ليس غسلاً حتى نقول: إنه يحصل به التنظيف، وأنت لو مسحت أسفل الخف لازداد تلويثًا ولوث يدك أيضًا؛ فلهذا كان العقل والرأي العميق أن يسمح أعلى الخف؛ لأنه يحصل به التعبد لله تعالى، فليس في الإسلام - ولله الحمد - ما يخالف العقل وما يخالف القياس، وما ذكر من أن السلم والشفعة والإجارة والنكاح على خلاف القياس ليس بصحيح حتى النكاح على خلاف القياس مشكل كيف ذلك؟ قالوا: نعم؛ لأن المعقود عليه المنفعة وهي مجهولة ربما تموت المرأة أو ليلة وربما تبقى عشرين سنة فهي مجهولة، إذن هذا عقد على شيء مجهول فهو مخالف للقياس، لكن نقول: ليس في الشريعة الإسلامية ما يخالف القياس، تأمل حتى يتبين لك أن الشريعة كلها على وفق القياس، الشفعة الآن وهي التي استطردنا في الكلام من أجلها، الشريك ينتزع من المشتري حصة شريكه قهرًا فيأتي المشتري يصبح قهرني هذا الرجل أخذ مالي غصبًا علي ما هذا القياس؟ نقول: نعم، هذا هو القياس، أنت رجل جديد وهذا أمكن منك في الملك، وربما تنكد عليه، وكم من شريك تمنى شريكه ألا يكون معه شركة إطلاقًا، فلدفع ما يخشى منه من المخاصمات والمنازعات والمضادة، جعل الشارع للشريك أن يشفع فصار موافقًا للقياس تمامًا؛ لأن الشريعة تدرأ كل ما يمكن أن يكون فيه نزاع وبغضاء، وإذا جاء هذا الشريك الجديد وصار شاذا وعقبه كئودًا أتعب من الشريك الأول؛ ولهذا إذا كان المشتري الجديد شريكًا يشتري بالثمن هل يشفع الشريك الأول؟ الغالب ألا يشفع، يقول: الحمد لله الذي أبدل درهمنا شريكنا الأول بدينار ويبقيه، لكن يأتي رجل مجهول أو رجل يعرف بسوء الشركة وينزل علي ويتعبني، إذن الشفعة موافة تمامًا

<<  <  ج: ص:  >  >>