للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للقياس وهي مقتضى الشرع؛ لأنا نعرف أن الشريعة الإسلامية تنبذ كل شيء يؤدي إلى النزاع والعداوة والبغضاء: "لا يبيع الرجل على بيع أخيه"، "لا ينكح على نكاحه" لا يؤجر على إجارته، لا يسم على سومه، كل شيء يوجب العداوة والبغضاء الشريعة تمحوه محوًا ولا تأتي به أبدًا، ولننظر إلى الحديث الأول:

٨٦٠ - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة». متفق عليه، واللفظ للبخاري.

"قضى" بمعنى: حكم، والقضاء إما أن يكون كونيا وإما أن يكون شرعيًا، فإن كان مما يتعلق بالشرع فهو شرعي، وإن كان مما يتعلق بالكون فهو كوني، ففي قوله تعالى: {وقضينا إلى بني إسراءيل في الكتب لتفسدن في الأرض} [الإسراء: ٢]. هذا قضاء كوني ولا يمكن أن يكون قضاء شرعيًا؛ لأن الله لا يقضي بالفساد ولا يحب الفساد ولا المفسدين، وفي قوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} [الإسراء: ٢٣]. هذا شرعي، يعني: أمر ولذلك لم يكن كل الناس يعبدون الله، وفي قوله تعالى: {والله يقضى بالحق} [غافر: ٢٠]. شمول لهما جميعًا يقضي شرعًا وقدرًا وكونًا بالحق: {والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيءٍ}، وقوله هنا: "قضى بالشفعة" أي: قضاة شرعيًا حكم حكمًا شرعيا بالشفعة، أي: بأن ينتزع الشريك حصة شريكه ممن أشتراها منه.

"في كل ما لم يقسم"، هنا عمومان "كل" و"ما" و"فكل" من صيغ العموم، و"ما" اسم الموصول من صيغ العموم، "كل ما لم يقسم" قضى بالشفعة فيه فلو باع رجل نصيبه من سيارة مشتركة فإن الحديث يدل على أن فيها الشفعة، ولو باع نصيبه من كتاب فإن الحديث يدل على أن فيه الشفعة، ولو باع نصيبه من أرض فالحديث يدل على أن فيها الشفعة، ولو باع من بستان، فالحديث يدل على أن فيها الشفعة، ولو باع نصيبه من بيت فالحديث يدل على أن فيه الشفعة، يؤخذ من عموم قوله: "في كل ما لم يقسم" فيشمل العقار، والمنقول، والجماد، والحيوان، وكل شيء هذا عموم لفظي، المعنى أيضًا يقتضيه؛ لأن الضرر الحاصل بالشريك الجديد لا يختلف فيه عقار وغيره بل قد يكون العقار أهون من غيره، لكن قال: "فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة" وهذا الوصف لا ينطق إلى على ما كان عقارًا؛ لأن غير العقار ليس فيه حدود ولا تصريف طرق، فمن ثم ذهب أكثر الفقهاء إلى أنه لا شفعة إلا في العقار؛ لأن قوله: "فإذا وقعت الحدود" الفاء للتفريع، والتفريع يدل على أن المفرع عليه يوافق الفرع في الحكم، فعلى هذا الرأي يكون العموم في قوله: "في كل ما لم يقسم" عمومًا أريد به الخصوص،

<<  <  ج: ص:  >  >>