للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه ليس في الشرع شيء يخالف القياس؛ لأن المراد بالقياس: النظر والعقل، فتقول أنت دعواك أن في الشرع ما يخالف القياس هي خلاف القياس، ما من شيء في الشرع وهو على وفق القياس، هذه المضاربة قالوا: إنها على خلاف القياس؛ لأن الربح مجهول قد يأخذ عشرة آلاف ريال على أنه سيربح خمسة آلاف ريال ولكنه لا يرح إلا عشرة ريالات، كم نصيبه؟ إنسان صار يكدح ليلاً ونهارًا بهذا المال عشرة آلاف ريال، ويضرب الفيافي والقفار والجبال والأودية، فلما رجع وصفي المال فإذا الربح خمسة ريالات وهو أخذه بالخمس - خمس الربح - يكون نصيبه ريالاً واحدًا فيكون هذا مجهولاً وربما يكسب خمسة آلاف ريال فيكون ألف ريال قالوا: هذا مجهول، فهذا العقد على خلاف القياس؛ لأننا أجريناه مع جهالة الربح، فيقال: بل هذا على وفق القياس؛ لأن المتجر بماله ربما يربح وربما يخسر، الذي يتجر بماله تجده يسعى ويسافر ويخاطر ويضرب البحار ويضرب البراري ثم لا يربح بل قد يخسر، إذن كونه يربح أو لا يربح هذا ليس خطرًا ولا فيه غرر؛ لأن الإنسان نفسه يعمل بماله ويربح ويخسر، ثم نقول: بل هي على وفق القياس تمامًا؛ لأن فيه مصلحة للطرفين، من هما؟ صاحب المال والعامل، فصاحب المال يكسب من ماله وهو مستريح، والعامل يكسب من مال الرجل، ولولا هذا لم يكن عنده مال يتجر به فصار فيها مصلحة للطرفين للمضارب والمضارب وهذا هو عين القياس، ونظيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر منهم العمل والأصل لمن؟ للمسلمين والثمرة بينهم، وهذا تمامًا نظير المضاربة، المال من رب المال، والعمل من العامل، والربح بينهما، الربح في مسألة خيبر يوازي الثمر، والأصل في خيبر النخل والأرض يوازي رأس المال من المضارب.

إذن المضاربة يتبين أنها على وفق القياس، وأنها من المصلحة للطرفين المضارب والمضارب الذي أخذ المال وأتجر به، ولهذا إذا خرجت عن العدل صارت حرامًا لو أعطاه المال وقال له: خذ هذا المال واتجر به ولك ربح الرز ولي ربح السكر صارت حرامًا لا تجوز، لماذا؟ لأن السكر قد يربح كثيرًا والرز لا يربح أو بالعكس، فيكون أحدهما غانمًا والثاني غارمًا، ومثال آخر: خذ هذا اتجر به ولي من الربح ألف والباقي لك أيضًا لا يجوز، لماذا؟ لأنه ربما لا يربح إلا هذا الألف فيكون خسرانا وربما تتوقع أنه سيربح ألفين ويكون الربح بينكما نصفين ولكنه يربح عشرة آلاف، فلا يكون لرب المال من الربح إلا العشر، بل إنما كنا نتوقع أنه يسكون له النصف، إذن إذا خرجت عن العدل حينئذ تكون خارجة عن القياس ولا تصح، إذا لم تصح فماذا نعطي العامل هل نقول: ليس للعامل شيء لأن هذا عقد فاسد محرم فلا يترتب عليه شيء، أو تقول: للعامل أجرة المثل، يعني: كأنه خادم يشتغل بالمال فتعطيه أجرة مشاهرة كل شهر كذا، أو نقول: للعامل سهم المثل أيهما أقرب؟ عرفتم في قواعد ابن رجب

<<  <  ج: ص:  >  >>