للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البيع إلى أجل بين طرفين سواء في الثمن أو في المثمن فيه بركة وذلك من وجهين: الأول: أنه لابد أن يكون فيه زيادة، فالذي يباع نقدًا بمائة إذا بيع مؤجلاً سكون بمائة وعشرة مثلاً ففيه زيادة.

الوجه الثاني: أن فيه راحة للمشتري، فبدلاً من أن نسلم الثمن نقدًا يؤجل إليه إلى سنة فيكون في هذا سعة له، ففيه إذن بركة من وجهين: وجه للبائع بزيادة الثمن له بسبب التأجيل، ووجه ثان للمشتري بسهولة دفع الثمن؛ لأن النقد أصعب على الإنسان من المؤجل.

الثاني: "المقارضة" وهي ما نحن فيه، يعني: المضاربة، ففيها بركة لصاحب المال؛ لأن ماله بكسب من غير أن يتعب، وبركة للعام؛ لأنه يحصل له مال يتجر به، ولولا المضاربة لبقي معطلاً ففيه بركة لكل من المضارب والمضارب.

الثالث: "خلط البر بالشعير للبيت لا للبيع"، البر أطيب من الشعير لا شك وأغلى من الشعير فالإنسان إذا كان عنده بر وعنده شعير، إن استعمل البر وأكله صارت النفقة عليه أكثر، فصاع من بر بعشرة، وصاع من شعير بخمسة، فيقوم ويشتري مع البر شعيرًا من البر بعشرة صار الصاعان بخمسة عشر، لكن لو أنه أنفق صاعين من البر صارا بعشرين فصار هذا أسهل ففيه بركة، لكن للبيت أما البيع فلا؛ لأنه لو خلط شعيرًا ببر للبيع صار في ذلك غرر، وربما يكون في ذلك غش، قد يجعل البر الخليط فوق الشعير فيكون في ذلك غش، وقد يخلطه به ويكبس بعضه ببعض فيكون في ذلك غرر؛ لأن الإنسان لا يدرك أيهما أكثر حب الشعير أم حب البر فإذا كان للبيع فليس فيه بركة أما للبيت ففيه بركة.

ولكن لو قال قائل: لو خلطنا البر بالشعير على وجه واضح هل في هذا غش؟

فالجواب: لا؛ لأنه ما دام معلومًا ظاهرًا فليس فيه غش.

في هذا الحديث من الفوائد: حلول البركة في هذه الأمور الثلاثة: البيع لأجل، والمقارضة، وخلط البر بالشعير للبيت لا للبيع.

ومن فوائد الحديث: أن الأشياء تتفاوت في بركتها وخيرها، وهذا أمر معلوم مدرك بالحس.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي البيع إلى أجل طلبا للبركة، فإذا تمكن الإنسان من البيع إلى أجل كان ذلك خيرًا له من أن يبيع بنقد، ولكن لو باع بنقد فلا بأس، وإذا كان البيع إلى أجل فيه بركة فالنكاح إلى أجل - أعني: تأجيل المهر - فيه بركة أيضًا، ولهذا لو أن الناس سلكوا هذه الطريق وأجلوا بعض المهر واقتصروا في النقد على ما يحتاجون إليه عند الدخول لكان في هذا بركة وتيسير على الناس بدلاً من أن يبذل الإنسان أربعين ألفًا نقدًا للمهر، على أن يبذل

<<  <  ج: ص:  >  >>