ففي هذا الحديث فوائد منها: جواز معاملة اليهود، وهذا أمر مشهور مستفيض، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود بيعًا وشراء ومساقاة ومزارعة، وكان - عليه الصلاة والسلام - عند موته رهن درعه عند رجل من اليهود بطعام اشتراه لأهله، وكذلك يقاس على اليهود من سواهم من الكفار كالنصارى والوثنيين وغيرهم، إلا أن أهل العلم يقولون: إنه لا ينبغي أن يوليهم ولاية مطلقة؛ لأنهم ربما يتجرون بالخمر وهو لا يعلم، أو يتجرون بالربا وهو لا يعلم، أو يتجرون بالأشياء الممنوعة وهو لا يعلم، فأما الشيء الذي يؤتمنون فيه أو الشيء الذي يكون هو رقيبًا عليهم فإن هذا لا بأس به.
وفيه دليل على جواز ائتمان الكافر ما لم تتبين خيانته، ووجه ذلك: أن هؤلاء مؤتمنون على الثمر وبإمكانهم أن يجزوا شيئًا من التمر أو يأخذوا شيئًا من الزرع والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم، فإذا كان الكافر مؤتمنًا فلا بأس من ائتمانهم، أما إذا كان غير مؤتمن فإنه لا يؤمن، لاسيما فيما يتعلق بأمور المسلمين العاملة كمثل هذه المسألة، ومثل كتابة دواوين وغيرها.
هل يؤخذ من هذا الحديث بقول الكافر إذا كان أمينًا؟ قد نقول: إنه يؤخذ، وقد نقول: إنه لا يؤخذ، لكن هناك أدلة تدل على جواز الأخذ بقول الكافر إذا كان أمينًا، مثل: استرشاد النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أريقط الديلي الذي استأجره النبي صلى الله عليه وسلم ليدله على الطريق في سفره إلى المدينة في الهجرة فإن هذا كان مشركًا، ولكنه كان أمينًا فاستأمنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى على راحلته وراحلة أبي بكر، وقال له: موعدك بعد ثلاث ليال غار ثور، فذهب الرجل بالراحلتين، وأتى بعد ثلاث ليال إلى الغار مع أن المقام خطير جدًا وهو أن قريشًا كانت تطلب الرسول صلى الله عليه وسلم وقد جعلت لمن يدلها عليه وعلى أبي بكر مئاتي بعير، وكانت فرصة لهذا المشرك أن يدل قريشًا على النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه لما ائتمنه النبي صلى الله عليه وسلم أدى الأمانة.
فإذن نقول: إن دل هذا الحديث على قبول قولهم والأخذ بقولهم فذاك، وإن لم يدل فهناك أدلة أخرى تدل على أنه يجوز الأخذ بقول الكافر، ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى جواز فطر المريض إذا قال له الطبيب الكافر: إن الصوم يضرك، وكذلك جواز الصلاة قاعدًا إذا قال الطبيب: إنه يضرك القيام، وكذلك الإيماء بالركوع والسجود إذا قال له الطبيب: يضرك السجود، المهم: أنه متى وجدت الثقة فإنه لا بأس بالأخذ بقول الكافر.