الزرع فهي من جنس ما يلزم في المضاربة من سقي الحيوان، لو أشترى المضارب حيوانًا فإنه سوف يسقيه ويروضه وما أشبه ذلك، فالبذر يكون تابعًا لعمل المزارع والمغارس، أما نظير المال فهو الأرض المدفوعة، وبهذا تبين أن هذا القياس فاسد، أولاً: لمصادمته للنص، وكل قياس في مصادمة النص فإنه مرفوض، وثانيًا: أنه قياس مع الفارق؛ وذلك لأن المال الذي يقال: إنه يدفعه المضارب نظيره الأرض التي يدفعها من تعامل من تعامل مع شخص في الزراعة.
ومن فوائد الحديث: جواز كون المساقاة غير معلومة الأجل، يعني: جواز الأجل المجهول في المزارعة والمساقاة؛ لقوله:"نقركم ما شئنا"، ومعلوم أن مشيئته مجهولة فعليه يجوز عقد المساقاة والمزارعة إلى أجل مجهور، وهذا أحد الأقوال في تخريج هذا الحديث.
القول الثاني: أن هذا الحديث يدل على أن المساقاة والمزارعة من العقود الجائزة، وبناء على ذلك لا يشترط لها ذكر الأجل ولكل واحد منهما - أي: من المساقي والمساقى - أن يفسخ متى شاء.
الوجه الثالث في تخريج الحديث: أنه من باب الخيار لأحد المتعاقدين؛ لأن لو كان ذلك من العقود الجائزة ما احتاج أن يقول:"نقركم ما شئنا"؛ لأن العقد الجائز نفسه للمتعاقدين فيه المشيئة متى شاءا فسخا.
فإذن الاستدلال بهذا الحديث على أن المساقاة والمزارعة من العقود الجائزة غير صحيح، إذ لو كانتا من العقود الجائزة لم يحتج إلى ذكر المشيئة، فإن العقد الجائز لكل من المتعاقدين فسخه ولو لم يشترطا المشيئة، فأقرب ما يقال في ذلك هو أن هذا من باب الخيار، وأنه إذا اشترطا، أو أحدهما الخيار فلا بأس، وبناء على هذا نقول: إن المساقاة والمزارعة من العقود اللازمة، ولابد من تقدير الأجل فيها سنة أو سنتين أو ثلاثًا أو أكثر، لابد من هذا، ولكل من المتعاقدين شرط الخيار إما لهما جميعًا، وإما لأحدهما، والحديث هذا من باب اشتراط الخيار لأحدهما لقوله:"ما شئنا"، ولم يقل: وما شئتم، واستدل به بعض العلماء على جواز الإجارة المجهولة، وأنه يجوز أن تقول للشخص: أستأجر منك هذا البيت حتى أجد بيتًا أشتريه، وإلى هذا ذهب ابن القيم في زاد المعاد، وأنه يجوز الأجرة المجهولة المعلقة بشرط مجهول، قال: لأن هذا ليس فيه شيء، فمثلاً هذا رجل يبحث عن بيتٍ فجاء إلى شخص وقال: أجرني بيتك حتى أجد بيتًا فأجره كل سنة بمائة ريال حتى يجد بيتًا، فوجد بيتًا في نصف السنة، قله أن يفسخ ويعطيه خمسين ريالاً، وهذا القول الذي اختاره ابن القيم وجيه؛ لأن الأصل في العقود الحل في أصلها وشروطها حتى يتبين دليل التحريم، فما دام الأصل الحل وهذا لا يترتب عليه