للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمائة درهم، زرعتها أو لم تزرعها لا دخل لي، أنا لي أجرة معينة عقد مستقل سواء خسرت أو ربحت، ولهذا أجاب رافع قال: "لا بأس به" أي: أنه جائز، والبأس هنا بمعنى: الحرج يعني: ليس فيه حرج ولا ضيق، إنما هو جائز، إنما قال: "وإنما كان ... إلخ"؛ لأن من العلماء في عهد رافع من منع أجرة الأرض، وقال: لا يجوز أن يؤجر الإنسان أرضه، بل إن كان به قدرة على زرعها زرعها وإلا أعطاها أخاه المسلم يزرعها، وليس لصاحب الأرض شيء، ولا يجوز أن يأخذ عليها أجرة، كما سيأتي في حديث لم يذكره المؤلف أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر من كان عنده أرض أن يزرعها أو يمنحها لأخيه، ومنع من الإجارة والمزارعة، فرافع رضي الله عنه قال: إن هذا لا بأس به، ثم استدل قال: "إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ... الخ".

"الماذيانات" هي ما على مسايل الماء، يعني: الذي يكون على البركة، أو على الساقية، أو على النهر، يقول: ما على أطرافه فهو لك والباقي لي، هذا لا يجوز؛ لأنه قد يكون الذي على الماذيانات كثيرًا والآخر قليلاً، أو يكون العكس، هذا غرر لا يجوز؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لم يشترك صاحب الأرض والمزارع في المغنم والمغرم.

وقوله: "أقبال الجداول" يعني: السواقي التي تتفرع من الماذيانات، وهي معروفة من شاهد المزراع عرفها، و"أقبال" يعني: مقدم وأوائل الجداول، يقول: لك أول هذا السقي ولي آخره، أو العكس، وأشياء من الزرع يعينها، فيقول: أعطيتك الأرض تزرعها لي الجانب الشرقي ولك الجانب الغربي، أو لي الجانب الشمالي ولك الجانب الجنوبي، أو لي الشعير ولك الحنطة، أو لي السكري في النخل ولك الشقر، أو ما أشبه ذلك في أشياء من الزرع، هذا أيضًا لا يجوز، ولهذا قال: «فيهلك هذا ويسلم هذا، ويهلك هذا ويسلم هذا» يعني: يسلم ما عين لمالك الأرض ويهلك ما عين للمزارع أو العكس.

قال: "فلذلك" اللام: للتعليل، أي: فلأجل هذا الغرس والجهالة زجر عنه، أيكنهى بشدة، والزاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال: "على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" فالضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم زجر عنه الناس لما فيه من الغرر، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به، يعني: فأما إذا ذكر شيء معلوم مضمون فلا بأس به، ما هو المعلوم المضمون؟ الأجرة؛ لأنه سئل عن كراء الأرض بالذهب والفضة، وكراء الأرض بالذهب والفضة شيء مضمون معلوم للجميع، مضمون لصاحب الأرض؛ لأنه أعطاه الأرض بمائة درهم مضمون فهذا جائز.

وقوله: «وفيه بيان لما أجمل في المتفق عليه من إطلاق النهي عن كراء الأرض»، يعني: أنه ثبت

<<  <  ج: ص:  >  >>