للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض، فحمل هذا على أن المراد بذلك: الكراء الذي يؤدي إلى الجهالة، أما الكراء المعلوم فإنه لا بأس؛ لأن الأصل في المعاملات الحل إلا ما دل الشرع على تحريمه.

في هذا الحديث فوائد منها: حرص السلف على السؤال عن العلم، وسؤال السلف عن العلم إنما يصدون به العمل لا يقصدون به أن يعلموا ما عند الإنسان من علم، خلافًا لما يفعله كثير من الناس اليوم، تجده يسأل العالم لينظر ما يجد ما عنده من العلم، ثم يسأل عالمًا آخر وهكذا، أما السلف فإنهم يسألون عن العلم من أجل أن يعملوا به، وهذا فرق بين بين السؤالين.

ومن فوائد الحديث: جواز كراء الأرض بالذهب والفضة، يعني: أن أستأجر منك أرضك لأزرع فيها بدراهم أو دنانير، الدراهم الفضة، الدنانير بالذهب، فجوز أن أستأجر منك أرضك لمدة سنتين أو ثلاث كل سنة بكذا من الدراهم، أو من الدنانير وأزرع فيها وأنا وحظي قد أكسب من الزرع أضعاف أضعاف الأجرة، وقد أخسر، لكن صاحب الأرض ليس له أجرة معينة.

وهل يقاس على ذلك ما لو استأجرتها بمائة كيلو من التمر أو مائة كيلو من البر أستأجرها بمنقول غير الطعام كأن أستأجرها بسيارة أو قطعة أرض أو ما أشبه ذلك؟

الجواب أن يقال: نعم لا بأس به، وعلى هذا فيجوز أن أكري الأرض بأصواع معلومة من البر لمن يزرعها من البرد بشرط ألا أقول: إنها مائة صاع مما تزرع؛ لأني لو قلت: مائة ضاع مما تزرع لكان في ذلك غرر؛ لأنه يكون حينئذ مزارعة، والمزارعة لا يجوز فيها اشتراط شيء معين لأحدهما، مثلاً استأجرت منك هذه الأرض بمائة صاع من البر لأزرعها برًا هذا جائز ويثبت في ذمة المستأجر مائة صاع بر سواء زرع أم لم يزرع، اتفقت معك على أن أزارعك هذه الأرض ولي من الزرع الذي يخرج مها مائة صاع، والباقي لك هذا لا يجوز؛ لأن هذه شركة والمشاركة لابد أن تكون مبنية على العدل، وهو الاشتراك في المغنم والمغرم، وأنا إذا اشترطت مائة صاع مما يخرج منها من البر فأنا غانم وأنت قد تكون غانمًا وقد تكون غارمًا؛ لأن الزرع قد يحصل منه شيء كثير مئات الأصواع، وقد لا يحصل منه إلا مائة وقد لا يحصل منه إلا أقل، وقد لا يحصل منه شيء إطلاقًا فهذه المشاركة لم يتساو فيها الشريكان في المغنم والمغرم وإذا لم يتساو فيها الشريكان كانت ميسرًا وغررًا وحرامًا، إذن لو آجرتك إياها بثلث ما يخرج منها هل يجوز؟

نعم يجوز، فصارت الأجرة تنقسم إلى أربعة أقسام: الأول: أن تكون الأجرة بشيء مما يخرج من الأرض آصع معلومة مما يخرج من الأرض فهذا لا يجوز، لماذا؟ لأنه ميسر فهو مزارعة لكن مبنية على ميسر.

<<  <  ج: ص:  >  >>