عوض عن أمر دنيوي وهو شفاء هذا المريض، هذا من حيث التعليل أما من حيث الدليل فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أنه كان في سفر ومعه جماعة فنزلوا على قوم من العرب ليلاً فاستضافوهم، ولكنهم لم يضيفوهم فتنحى أبو سعيد ومن معه ناحية، فأذن الله عز وجل، أن يلدغ رئيس القوم الذين منعوا الضيافة لدغته عقرب فعملوا كل عمل لعل الألم يسكن عنه ولكنه لم يجد شيئًا، فقالوا: اذهبوا إلى هؤلاء النفر لعل فيهم من يقرأ، فجاءوا إلى النفر من الصحابة قالوا: إن سيدهم لدغ فهل عندكم من راق؟ يعني من قارئ، قالوا: نعم، فذهب أبو سعيد رضي الله عنه إلى هذا الرجل فقرأ عليه حتى تعطونا أجرًا فجعلوا لهم قطيعًا من الغنم، فلما أخذوه وأرادوا أن يقتسموه، قال أبو سعيد: لا نقتسمه حتى نسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، قال ذلك من باب الاحتياط، فلما قدموا أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أصبتم خذوا واقتسموا واضربوا لي معكم سهما» وضحك صلى الله عله وسلم، فهذا دليل على جواز أخذ الأجرة على قراءة القرآن للاستشفاء، هذا هو حاصل هذا الحديث.
إذن "إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله" يكون هذا مخصوصًا بالصورتين الآخيرتين: التعليم والاستشفاء.
ومن فوائد الحديث: جواز أخذ الأجرة على القرآن؛ لقوله:«إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله»، وعرفتم أنه إنما يكون ذلك في التعليم أو في الاستشفاء، أما مجرد القراءة فلا.
ومن فوائد الحديث: أن الأعمال تتفاضل لقوله: "إن أحق" و"أحق" اسم تفضيل.
ومن فوائده: أن استحقاق الأجرة بقدر المنفعة، فكلما كانت المنفعة أعظم كان أخذ الأجر عليها أحق.
ومن فوائده: إثبات أن القرآن كتاب الله لقوله: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتبا الله"، ووجه نسبته إلى الله: أنه كلامه، وليس المعنى أنه كتبه بيده كما كتب التوراة ولكنه كلام الله.
ومن فوائد الحديث: وجوب تعظيم القرآن؛ لأنه كلام الله، وتعظيم الكلام تعظيم للمتكلم به.