٨٧٤ - وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه». رواه ابن ماجة.
"الأجير" فعيل بمعنى: مفعول، أي المأجور أي: المستأجر، أعطوه أجره، يعني: عوض منفعته وعلمه، وسمي أجرًا لأنه في مقابل عمل، وكل شيء في مقابلة عمل فإنه يسمى أجرًا، ومنه قوله تعالى:{إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حسابٍ}[الزمر: ١٠].
قال:"قبل أن يجف عرقه" يعني: من عمله، ومعلوم أن العرق لا يدوم طويلاً، فمراد النبي صلى الله عليه وسلم أن نعطيه أجره فورًا؛ لأن الأجير قد يعمل ولا يعرق، وقد يعمل ويعرق، ومراد النبي صلى الله عليه وسلم المبادرة بإعطائه أجره حتى يعطي قبل أن يجف عرقه، فلو عمل عملاً ليس فيه عرق يعطى من حين أن ينتهي، والأمر هنا ليس للوجوب وإنما هو للاستحباب؛ لأن المبادرة بإعطاء الأجر أفضل ما لم يصل إلى حد المماطلة، فإن وصل إلى حد المماطلة صار التأخير حرامًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مطل الغني ظلم».
إذن نأخذ من هذا الحديث: استحباب المبادرة بإعطاء الأجير أجره.
ومن فوائده أيضًا: أن الأجير إنما يستحق الأجرة بتمام العمل، فإن لم يتم العمل نظرنا إن كان لغير عذر فلا حق له في شيء من الأجرة، وإن كان لعذر فله من الأجرة بقدر ما عمل، مثاله: رجل استأجر شخصًا أن يعمل له يومًا كاملاً فلما أذن الظهر قال: لا أريد العمل بدون عذر، ففي هذه الحال يضيع عليه عمله في أول النهار هدرًا، لماذا؟ لأنه ترك إتمام العمل بلا عذر، وعقد الإجارة عقد لازم من الطرفين، فإذا تركه بلا عذر فلا حق له فيما عمل، أما لو في أثناء النهار عند أذان الظهر أصيب بمرض لا يستطيع معه أن يعمل، ففي هذه الحال نقول: إنه يستحق من الأجرة بقدر ما عمل، فإذا كان قد عمل النصف أعطيناه نصف الأجرة أو الربع أعطيناه الربع، وهكذا؛ لأنه ترك بقية العمل لعذر فاستحق ما عمله، فإن كان ترك الإتمام من المستأجر لا من الأجيرة فإننا نقول: إن الأجير يستحق جميع الأجرة إلا إذا كان لعذر فله من الأجر بقدر ما عل، مثال ذلك: استأجر شخص رجلاً ليبني له جدارًا فلما كان في أثناء العمل أتى السيل فهدم الجدار وليس عند المستأجر شيء يكمل به الجدار أو يبني به الجدار الجديد فهنا لا يستحق العامل إلا مقدار ما عمل، وذلك لأن عدم إتمام العمل ليس باختيار المستأجر، أما لو كان في أثناء العمل قال: أريد عدم البناء يعني: بدا لي ألا أبني هذا الجدار، فإننا نقول