للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه مائة ريال، وهذا مشكل، ولهذا لابد من التسمية، قال أهل العلم - رحمهم الله - بتسمية الأجرة شرط، وذلك من باب القياس؛ لأن الإجارة نوع من البيع، والبيع يشترط فيه العلم بالثمن والعلم بالمثمن، فيجب أن تكون الأجرة معلومة، لكنهم قالوا: تكون الأجرة معلومة بالعرف ومعلومة بالشرط اللفظي، يعني: بالقول، المعلوم بالقول مثل أن يقول: أعمل لي هذا بكذا وكذا من الدراهم، المعلوم بالعرف مثل: أن يسلم الإنسان الرجل الخياط خرقة ويقول: خطها لي ثوبًا بدون أن يقدر الأجرة هذا معلوم بالعرف لأن الخياط قد أعد نفسه لهذا العمل وأجرته عند الناس معروفة، فإاذ انتهى من خياطته يقول: لك الأجرة كذا وكذا، ومثله أيضًا القصار أعيطت ثوبك قصارًا ولم تعين الأجرة فلما انتهى قال: أجرته كذا وكذا هذا أيضًا معلوم بالعرف، وما هو القصار؟ الغسال، وليس القصار الذي يجعل الثياب قصيرة كما هو المتبادر من اللفظ، فأنت إذا أتيت إلى صاحب المغسلة وقلت له: خذ هذا الثوب واغسله ولم تقل بكذا فعليك أجرة المثل، لكن هذا في الحقيقة أحيانًا يكون فيه نزاع؛ لأن بعض الخياطين تكون خياطته رفيعة ليست عادية إذا خاط الناس الثوب بعشرة يخيطه هو بعشرين أو بثلاثين، وحينئذ يغتر صاحب الثوب؛ لأنه أعطاه إياه بناء على أنه من العاديين، يعني: بعشرة مثلاً ثم يقول له: بثلاثين أو أربعين، فهذه ترد على هذه المسألة التي ذكرها العلماء وهي: أن من أعطى ثوبه خياطًا أو قصارًا بدون قطع الأجرة فإنه يستحق أجرة المثل، ولكن يقال: الأصل العمل على الغالب، ويقال للذي أعطى الثوب: أنت المقصر لماذا لم تسأله؟ أنت أعطيت شخصًا من عادته يخيط بكذا وبكذا بأجرة رفيعة فلماذا لم تحتط لنفسك وتبين، إذن تسمية الأجرة يكون بالنطق حين العقد ويكون بالعرف، ثم قد تكون الأجرة بالمعاقدة سواء عين الأجرة أو لا، وقد يكون بغير المعاقدة، أي: تدل عليه قرينة الحال، مثاله: إنسان أنقذ مال شخص من هلكة بنية الرجوع على صاحبه فله أجر المثل، مثاله: رأيت مال فلان تلتهمه النار فأنقذت المال من النار ثم طالبت صاحبه بالأجرة وأنت ناو للرجوع ولم تنو التقرب إلى الله، فلك الأجرة وإن لم يكن عقدًا، لماذا؟ لأنك أنقذته من هلكة، فلو قال لك صاحب المال الذي أنقذته من الهلكة: من قال لك أنقذه؟ لماذا لم تتركه؟ نقول إذن: اذهب - أيها الرجل - بالذي أنقذته وبعه في السوق وخذ أجرتك، هل سيوافق صاحب المال على هذا؟ لا يوافق، فنقول: كلامك غير وارد وغير معقول ويعتبر سفهًا، وإذا كنت صادقًا فيما تقول فقدر أن الرجل تركه واحترق، اذهب يا فلان وبع المال وخذ مقدار أجرتك، والباقي إذا جئنا به على صاحبه فسيقول: جزاكم الله خيرًا الذي أعطيتموني هذا ولم تتركه تأكله النار.

<<  <  ج: ص:  >  >>