على حواشي الأودية، فلو أتى إنسان وأراد أن يحيى هذه المسايل قلنا: لا؛ لأنها تتعلق بها مصالح البلد، كذلك مراعي البلد القريبة منه التي يخرج الناس إليها مواشيهم لترعى ليست مواتًا فليس لأحد أن يحييها، إذا تبين هذا فهل إذا استولى الإنسان على أرض ميتة يملكها أو لا؟ نقول: نعم يملكها، كما دل عليه الحديث الآتي:
٨٧٦ - عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من عمر أرضًا ليست لأحدٍ؛ فهو أحق بها»، قال عروة:«وقضى به عمر في خلافته». رواه البخاري.
قال:"من عمر" وأطلق النبي صلى الله عليه وسلم العمارة قال: "من عمر" فيرجع في ذلك إلى العرف، فما سماه الناس تعميرًا فهو تعمير، وما لم يسمه الناس تعميرًا فليس بتعمير، فإذا كانت أرضًا زراعية وجاء شخص وأحاطهم بمراسيم - أحجار توضع على حدود الأرض - فهل هذا الرجل أحياها أولا؟ لا، لم يحييها، لكن لو زرعها صار محييًا لها، كذلك لو خط أرضا ليبني فيها قصرًا لكنه لم يبن القصر حتى الآن، فهل يعتبر محييًا لها؟ لا، لم يعمرها، فإذا بنى القصر صار معمرًا لها، إذا عمرها يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"فهو أحق بها"، يعني: ليس لأحد أن يزاحمه فيها ولا أن يهلكها، قال عروة: وقضى به عمر في خلافته، وفائدة هذا الأثر: أن هذا الحكم باق لم ينسخ، وفهم من قوله:"ليست لأحد" أنه لو عمر أرضًا لأحد قد ملكها من قبل ثم تركها ثم جاء شخص فزرعها وعمرها، فهي للثاني أو للأول؟ للأول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط قال:"ليست لأحد"، فعلم من هذا أنها لو كانت لأحد قد أحياها من قبل فهي للأول.
من فوائد الحديث: أولاً: أنه لا إحياء بدون تعمير لقوله: "من عمر أرضً".
ثانيًا: أطلق النبي صلى الله عليه وسلم العمارة فيرجع في ذلك إلى العرف على القاعدة المشهورة:
(وكل ما أتى ولم يحدد ... بالشرع كالحرز فبالعرف احدد)
وقوله:"كالحرز" يعني: حرز الأموال، والحرز نحتاج إليه في باب الوديعة وفي باب السرقة، فالسرقة من غير حرز ليس فيها قطع وإذا وضع الوديعة في غير حرز فهو ضامن.
ومن فوائد الحديث: أنه لو اجتمع معمران لأرض فهي للأول، لقوله:"ليست لأحد".
ومن فوائده: أن من ورد على تعمير آخر يعني: شخص عمر وترك الأرض برهة من الزمن واندثرت ثم جاء آخر فعمرها بعد، فهي للأول يعني: معناه سواء كان أثر إحياء الأول باقيًا أم داثرًا فإن الثاني لا يملكها.