٨٧٧ - وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من أحيا أرضًا ميتةً فهي له». رواه الثلاثة، وحسنة الترمذي، وقال: روي مرسلاً. وهو كما قال، واختلف في صحابيه، فقيل: جابر، وقيل: عائشة، وقيل: عبد الله بن عمر، والراجح الأول.
قوله:"من أحيا أرضًا" هي على وزان قوله في الحديث السابق "من عمر أرضًا"، وقوله:"ميتة" هي بوزان قوله: "ليست لأحد"، وقوله:"فهي له" بوزان قوله: "فهو أحق به"، إذن هذا الحديث بمعنى الحديث الأول أن الإنسان إذا أحيا أرضًا ميتة منفكة عن الاختصاصات وملك معصوم فهي له.
مثال ذلك: رجل خرج من البلد فوجد مساحات كبيرة ليست ملكًا لأحد ولا تتعلق بها مصالح البلد فأحياها، نقول: هذه الأرض التي أحييتها هي ملك لك تبيعها، وتؤجرها، وترهنها، وتوقفها، وتهبها وتورث من بعدك، هي لك ملكك، وذلك لأنه استولى عليها من غير منازع فكانت له، كما لو خرج إلى البر فاحتش الكلأ أو الحطب فإنه يكون له؛ لأنه حاذه وملكه، وعموم الحديث يقتضي أنه لا يشترط في ذلك إذن الإمام، واعلموا أن العلماء إذا قالوا: الإمام فيعنون به الرئيس الأعلى للدولة يعني: لا يشترط أن يكون قد استأذن أو أخذ منه مرسومًا أو ما أشبه ذلك؛ لأن الحديث على من أحيا أرضًا ميتة فهي له ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: إلا أن يمنعه الإمام كما أنه لم يقل: إن أذن له الإمام، فدل ذلك على أنه يملكها سواء أذن الإمام أم لم يأذن.
وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم على قولين: وهما في مذهب الإمام أحمد: فمن العلماء من قال: إنه لا يملكها إلا بإذن الإمام، وأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«من أحيا أرضًا ميتة» هذا إذن منه، يعني: من باب الإذن كما لو قال الإمام في بلده أو في مملكته: من أحيا أرضًا ميتة فهي له، فيرون أن هذا من باب الإذن السلطاني؛ يعني: أنه أذن بأن أحيا أرضا ميتة فهي له، قالوا: ولابد من إذن الإمام؛ لأن هذه أرض ليست مملوكة لأحد وليس لأحد ولاية عليها فيكون وليها الإمام، فإذا اعتدى أحد عليها وأحياها بلا إذنه فقد اعتدى على حق الإمام وافتات عليه، فكما أنه لا يملك أحد أن يقيم الحدود على الناس فكذلك لا يملك احد أن يأخذ أرضًا ليست لأحد