الله من باب عطف المشرع المبلغ عن الشرع، وأن المراد بما لرسول الله هو ما كان لله كقوله تعالى:{واعلموا أنما غنمتم من شيءٍ فأن لله خمسه وللرسول}[الأنفال: ٤١]. والخمس الذي لله والرسول هو خمس واحد، لكن لما كان النبي صلى الله عليه وسلم مشرعًا مبلغًا عن الله صار ما يقوم به نيابة عن الله عز وجل هو خليفة الله تعالى في خلقه، وبناء على هذا القول نقول: إنه لا يراد بالرسول هنا الرسول صلى الله عليه وسلم شخصيًا ماذا يراد به؟ يراد به أنه مشرع فيكون ما لله فهو لرسول الله، فيحمل الحديث إذن على أن المراد بالحمى هنا: حمى ما كان لله عز وجل، كإبل الصدقة وإبل الجهاد وما أشبهها، وهذا القول أصح، ويرجحه أن الناس شركاء في ثلاثة الماء والكلأ والنار، وإذا كانوا شركاء في ذلك فليس لأحد أن يختص به دونهم، كما لو أنه اشترك اثنان في بيت مثلاً فليس لأحدهما أن يختص به دون الآخر، ولو اشترك اثنان في مزرعة فليس لأحدهما أن يختص بها دون الآخر، فالصواب أن المراد يحمى الله ورسوله: ما حمي للمصالح العامة أما الخاصة فلا، هذا القول هو الراجح ويليه في الرجحان أن المراد بالرسول: خوصية شخصه صلى الله عليه وسلم، لكن هذا خاص به هو ولا يشاركه أحد من ولاة الأمور والخلفاء؛ لأن عمر رضي الله عنه لما حمى ما حماه من المراعي حول المدينة صرح بأنه لا يحميه لنفسه إنما يحميه للناس لصاحب الغنيمة، وكذلك للمصالح العامة، فالصواب في هذه المسألة أنه ليس لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمي أرضًا يختص بها؛ لأن الناس شركاء في ارض الله عز وجل.
المؤلف رحمه الله جاء بهذا الحديث في باب إحياء الموات فما مناسبته؟ المناسبة أن الحمى نوع من الاختصاص؛ لأن الحامي يختص بهذه الأرض المحمية ويمنع غيره منها.
من فوائد الحديث:
أولاً: ثبوت الحمى يعني: أنه يجوز في الأصل لكن بشروط.
ثانيًا: أنه لا يجوز الحمى لشخص معين لقوله: "إلا لله ورسوله".
ثالثًا: جواز الحمى للمصالح العامة، يعني: المواشي التي مصلحتها للمسلمين ولكن ينبغي أن يقال أو يسأل لو أن أحدًا تجرأ واحتش من هذا الحمى أو تجرأ ورعى إبله فيه فهل يكون آثمًا؟ الجواب: يكون آثما لدخوله في قوله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}[النساء: ٥٩]. فإذا حمى ولي الأمر هذا المكان لدواب المسلمين العامة فإنه لا يجوز لأحد أن يعتدي عليه.