٨٧٩ - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار». رواه أحمد، وابن ماجه. وله من حديث أبي سعيد مثله، وهو في الموطأ مرسل.
"وعنه" أي: عن ابن عباس رضي الله عنه.
"الضرر": ما يحصل به ضرر من مال أو بدن أو جاه أو غير ذلك، وهو ضد النفع؛ لأن الأشياء إما نافعة وإما ضارة، [وإما ما لا ضرر فيه ولا نفع] وكلها إما في البدن أو المال أو الجاه أو العرض أو غير ذلك.
وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا ضرر" هذا نفي، ولكن هل هو نفي لوجود الضرر أو لانتفائه شرعًا، يعني: هل النفي نفي لوجوده في الواقع أو نفي لوجوده في الشرع؟ نفي لوجوده في الشرع، وذلك أن النفي في الأصل يعود إلى الواقع، فإذا وحد في القرآن أو السنة نفي يحمل على الوجود، أي: أنه لا وجود له في الواقع، فإن تعذر نفيه على الوجود في الواقع حمل على نفيه في الوجود الشرعي فيكون نفيًا للصحة، فإن دل دليل على أنه صحيح وأن حمله على انتفاء الصحة لا يصح حمل على نفيه في الوجود الشرعي فيكون نفيًا للصحة، فإن دل دليل على أنه صحيح وأن حمله على انتفاء الصحة لا يصح حمل على انتفاء الكمال، وعلى هذا فنقول:"لا ضرر" ليس نفيًا لوجود الضرر، بل الضرر موجود، والضرار موجود أيضًا، لكنه لانتفائه شرعًا، يعني: أن الضرر منفي شرعًا، وقلنا لكم: إن الضرر يكون في البدن والمال والجاه وغير ذلك، كل ما يحصل به فوات منفعة فهو ضرار.
وقوله:"ولا ضرار" قيل: إن معناه الضرار هو معنى الضرر، لكنه يزيد في بنيته للمبالغة، وعلى هذا فتكون الجملة الثانية بمعنى الجملة الأولى، فهي على هذا كالتوكيد، ولكن هذا ليس بصحيح، وذلك لأن التوكيد يأتي بدون ذكر حرف العطف مثل أن تقول: لا ضرر لا ضرر، أما إذا جاء حرف العطف فإن العطف يقتضي المغايرة، أي: أن الثاني غير الأول، وعلى هذا فلابد من فرق بينهما، الفرق بينهما أن الضرر ما حصل بدون قصد، والضرار ما حصل بقصد، وذلك لأن الضرار مصدر ضار يضار مثل قاتل يقاتل قتالاً، وهذا ضار يضار ضرارًا فهو ضرر مقصود، وعليه فيكون الحديث نفي الضرر الحاصل بلا قصد ونفي الضرر الحاصل بقصد، ثم هذا النفي معناه النهي يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقرار على الضرر وعن الإضرار؛ وذلك لأن النفي يأتي بمعنى النهي من باب المبالغة كأن هذا الشيء مفروغ منه من حيث تجنبه وحيث