ينفي وجوده لا إيجاده؛ لأن النهي عن الشيء نهي عن إيجاده ونفي الشيء نفي لوجوده، فقد يعبر بالنفي عن النهي من باب المبالغة كأن هذا الشيء أمر لابد من تجنبه، فلذلك عبر عن النهي عنه بالخبر عنه وهو نفيه.
في هذا الحديث: ينهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرر، وهذا النهي يتضمن وجوب رفع الضرر سواء كان بالمال أو بالنفس أو بالجاه أو بالعرض أو بأي نوع من أنوع الضرر؛ لأن قوله:"لا ضرر" يقتضي رفعه ففيه إذن تحريم الضرر أو تحريم إبقاء الضرر.
ومن فوائده: تحريم المضارة وقد ثبت في ذلك الوعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن من ضار ضار الله به، فلا يجوز للإنسان أن يضار غيره.
ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز للإنسان أن يؤذي الناس أو يشغلهم بالأصوات المنكرة كما يفعل بعض الناس، تجده مثلاً يستمع إلى الأغاني المحرمة ويجعلها بصوت عال يفزع من حوله من الجيران، وربما يكون من حوله من أهل المساجد، كأن يكون يسكن حول مسجد فتجده يشغل هذا الشيء بصوت عال فيؤذي الناس، فهذا لا شك أنه من الضرر، وإن كان ليس ضررًا بدنيًا، لكنه ضرر ديني، فهو يشغل الناس عن دينهم ويوقعهم في الإثم، أو العب، وهذا الحديث في الحقيقة أنه يعتبر قاعدة؛ لأنه يمكن أن يدخل في جميع أبواب الفقه فمتى وجد الضرر وجب رفعه ومتى قصدت المضارة فإنها حرام؛ ولهذا ذكر بعض العلماء هذه القاعدة، وقال: إن الضرر منفي شرعًا، يعني: لا يمكن أن يقع.
إذا قال قائل: لماذا جاء به المؤلف في باب إحياء الموات بعد قوله: «لا حمى إلا لله ورسوله»؟
قلنا: جاء بذلك لنستفيد منه تقييد الحمى بعدم الضرر، أي: أنه إذا تضمن الحمى ضررًا على المسلمين وجب منعه حتى وإن كان لماشية المسلمين، ولنفرض أن الإمام الذي له الماشية أو الذي يتولى ماشية المسلمين حمى حمى قريبًا من البلد بحيث تضرر أهل البلد بذلك فإنه يمنع، وكانوا في الزمن السابق يخرجون إلى قريب البلد يحتشون ويحتطبون، تخرج المرأة والصبي إلى قريب من البلد ليأتوا بالحشيش ويبيعونه، فإذا قدر أن هذا وقع هكذا وأن ولي الأمر حمى لمواشي المسلمين بهذا القرب من البلد الذي يضرهم قلنا: هذا لا يجوز،