حتى لو قال: إن هذا لمواشي المسلمين نقول: لا يجوز، لا ضرر ولا ضرار، وأنت يمكنك أن ترتفع في مكان بعيد عن البلد وتحمي لمواشي المسلمين؛ لأن مواشي المسلمين لا يحتاجها الناس يوميًا بخلاف بهائم البلد ومواشي البلد، فإن الناس يحتاجونها يوميًا.
ثم قال:«وله من حديث أبي سعيد مثله وهو في الموطأ مرسلاً».
نقول: حتى ولو كان في الموطأ مرسلاً فقد وصله أحمد وابن ماجه، ثم على فرض أن فيه شيئًا من الضعف فإن نصوص الكتاب والسنة تشهد له، فالشرع كله يحارب الضرر ويمنع الضرر، وإذا نشأ الضرر عن مضارة كان أشد وأعظم، لأن الضرر إذا حصل عن مضارة فقد باء الإنسان بالإثم من أصل الضرر، لكن إذا حصل الضرر بدون قصد المضارة فهذا لا يأثم به الإنسان لكن يلزمه أن يرفع الضرر فإن أبقاه مع علمه به صار مضارًا، وهذا أيضًا من الفروق بين الضرر والضرار، أن الضرر قد يأتي بلا علم الإنسان فنقول: هو لا يأثم ما دام أتى بلا علم لكن من علم ولم يرفعه كان آئما.
٨٨٠ - وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحاط حائطًا على أرضٍ فهي له». رواه أبو داود، وصححه ابن الجارود.
"من" شرطية، ودليل ذلك أن الجواب أتى مربوطًا بالفاء في قوله:"فهي له"، وإنما ربط الجواب بالفاء؛ لأنه جملة اسمية، والجملة الأسمية أحد الجمل التي تربط بالفاء إذا وقعت جوابًا للشرط، وقد جمعت الجمل التي يجب ربطها بالفاء إذا وقعت جوابًا في قوله:
(أسمية طلبية وبجامد ... وبما وقد وبلن بالتنفيس)
قوله:"من أحاط حائطًا على أرض" لم يقيد النبي صلى الله عليه وسلم ارتفاع الحائط فيرجع في ذلك إلى العرف، يعني: ما عد حائطًا فإنه يحصل به الإحياء والتملك، وقيده بعض العلماء بما إذا كان الحائط على قدر قامة الرجل، وقيده بعضهم بما إذا كان لا يمكن الدخول منه إلا بتسلق وإن لم يصل إلى قامة الرجل، وهذا أقر إلى لفظ الحائط؛ لأن الحائط ما أحاط بالشيء، لكن الحائط قد يكون قصيرًا كالعتبة، هذا لا يعتبر حائطًا، وقد يكون أرفع من ذلك يحتاج إلى تسلق، وإن لم يكن طول قامة الرجل فهذا يحصل به الإحياء.