للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تشوف لإحياءه - يعني: واحد يقول: أنا أريد أن أحيي هذه الأرض، وقد أقطعت لشخص - فإنه يقال لهذا المقطع: إما أن تحييها وإما أن ترفع يدك، وبضرب له مدة يقدرها الحاكم بحيث يتمكن من إحيائها، ومن العلماء من يرى أن إقطاع التمليك يحصل به الملك، وعلى هذا فإذا أقطع الإمام أو نائبه شخصًا أرضًا مواتًا فإنه يملكها بهذا وتكون ملكًا له، يتصرف فيها تصرف الملاك في أملاكهم من بيع وهبة ورهن ووقف وغير ذلك، ولكن الأقرب المذهب أن الإقطاع لا يحصل به التمليك، لكن فائدته أن المقطع يكون أحق به من غيره لا يزاحمه فيه أحد، ويرجع هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحيا أرضًا ميتة فهي له»، فقال: «من أحيا» فرتب الملكية على الإحياء، وإقطاع الإمام ليس فيه إحياء؛ لأن الإمام نفسه لو تحجرها لنفسه لم يكن تحجره إحياءً فكيف بمن كان فرعًا عنه؟ ! إذن فالقول الراجح في هذه المسألة: أن المقطع لا يملك الأرض، ولكن يكون أحق بها من غيره بحيث لا يمكن أن يملكها أحد ما دام له فيها حاجة.

من فوائد الحديث: جواز إقطاع الإمام أرضًا لمن يحيها، ودليله فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل فيما فعله التشريع، ولكن هذا الجواز يجب أن يقيد بالقاعدة العامة، وهو أنه لا يجوز للإمام أن يقطع إلا لمصلحة فلا يحابي أحدًا في الإقطاع، يعني: لا يكون إذا جاءه شخص قريب له أو صديق له أو له جار أقطعه، وإذا جاءه الفقير البعيد لم يقطعه، هذا لا يجوز، الواجب أن يراعي العدل، كذلك لا يجوز أن يقطع الشخص أرضًا واسعة وهو لا يستطيع أن يعمرها؛ لأن ذلك تحجر لأرض المسلمين، وإنما يقطع المقتطع ما يمكن أن يحييه ويعمره، ثالثًا: لا يجوز - بناء على القاعدة العامة - أن يقطع ما فيه ضرر على المسلمين، مثل: أن يقطع أحد من الناس محل المراعي وما أشبه ذلك من مصالح المسلمين، لأنه إذا كان لا يملك حمى هذه الأرض فكيف يملك إقطاعها؟ !

ثم ذكر الحديث الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير حضر فرسه ... الخ. قوله: «أقطع الزبير» هذا الإقطاع إقطاع تمليك. وقوله: "حضر فرسه" أي: منتهى عدوه، يعني: قال ركض الفرس حتى يقف فإذا وقف فهو لك - هذا معنى حضر فرسه، يعني: منتهى عدوه، يقول: فأجرى الفرس يعني مشاه وسيره حتى وقف، فلما وقف - من حرص الزبير على سعة الأرض رمى بسوطه من أجل أن يزيد المساحة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، كما نعرف جميعًا، من خلقه كان صلى الله عليه وسلم أكرم الناس لما رأى طمع هذا في الأرض ورمى بسوطه، قال: «أعطوه حيث بلغ السوط»، وهذا من حسن خلقه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لو كان من الولاة الجبابرة، لقال: أنقصوا له على قدر ما بلغ سوطه. لماذا يتعدى ويتجاوز ما حددنا له، نحن حددنا له منتهى عدوه، وهو الآن زاد فعاقبوه بأن ينقصوا من مقدار ما بلغ سوطه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس سياسة وأكرمهم وأحسنهم خلقًا، فلما رأى هذا الرجل متشوفًا متطلعًا إلى الزيادة قال: «أعطوه حيث بلغ السوط».

<<  <  ج: ص:  >  >>