الحديث على كل حال: إسناده ضعيف، لكن معناه لا ينافي القواعد الشرعية، كيف ذلك؟ نقول: لأن الإقطاع تبرع؛ إذ قد يقول قائل بعكس ما قلت الآن، قد يقول قائل: إن هذا ينافي القواعد الشرعية لأن حضر الفرس مجهول، فكيف يصح وهو مجهول؟ ! لكن الجواب أن نقول: إن الذي يمتنع فيه الغرر ما كان عقد معاوضة، أما عقود التبرعات فلا بأس ان يكون فيها جهالة؛ ولهذا صححنا أن يهب الإنسان شيئًا مجهولاً، صححنا أن يهب العبد الآبق والجمل الشارد، ولا بأس؛ لأن هذا الموهوب له إن حصل على الهبة فهو غانم، وإن لم يحصل فليس بغانم بخلاف البيع والشراء، فهو إذا لم يحصل على العوض صار غارمًا، وإن حصل صار غانمًا.
إذن نقول: هذا فيه دليل على جواز إقطاع المجهول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير حضر فرسه، ومنتهى سوطه حيث بلغ السوط، هل يمكن في الوقت الحاضر أن نقطعه حضر سيارته؟ لا، لماذا؟ لأن السيارة لا تتعب، ممكن يقودها من هنا إلى مكة، فهذا لا يصح لأنه لا منتهى له في الواقع، لكن إذا كان عنده فرس، عنده بعير، عنده حمار يمكن.
ومن فوائد الحديث: أن النفوس مجبولة على الطمع، فهذا الزبير بن العوام ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه من أفضل الصحابة، ومع ذلك - إن صح الحديث - طمع هذا الطمع، لما وصل منتهى عدو الفرس رمى بسوطه، والطمع فيما ليس بمحرم لا يلام عليه الإنسان، أما الطمع في المحرم، فهو حرام، وكذلك الطمع الذي يشغل عن واجب هو حرام، والطمع الذي يشغل عن مستحب ليس بحرام، لكن الزهد تركه، والذي يشغل عن واجب الورع تركه، لماذا؟ لأن هناك فرقًا بين الورع والزهد، أكثر الناس لا يعرفون الفرق. الورع: ترك ما يضر، والزهد: ترك ما لا ينفع، إذن إذا كان يشغل عن الواجب كان تركه ورعًا؛ لأنه لو باشره ترك واجبًا، وترك الواجب يضر في الآخرة، ترك ما يشغل عن المستحب هذا زهد؛ لأنه لو ترك المصلحة بدون شاغل لم يضره في الآخرة، لكنه يفوت النفع، فهنا ترك ما لا ينفع يسمى زهدًا، فإذا قيل: فلان زاهد، فلان ورع، أيهما أعلى حالاً؟ الزاهد أعلى حالاً من الورع.
إذن نقول: في الحديث دليل على جواز طمع الإنسان في الأمور المباحة له.
ومن فوائد الحديث: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يجب أن يعطي النفس ما يلائمها بشرط ألا يوقع في محظور، وهذا من هديه صلى الله عليه وسلم، كل شيء يتطلع إليه الغير وهو لا يضر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يوافق عليه لحسن خلقه، وهذا من تأليفه للناس، وتحبيب الناس إليه، يذكر في إسلام سلمان الفارسي أنه كان عند أناس من أهل الكتاب كل واحد من أسياده يوصيه أن يكون عند سيد آخر عنده علم من الكتاب؛ لأنهم يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حان وقت خروجه إلى أن وصل إلى المدينة، وقصته مشهورة، لكن كان من جملة العلامات التي ذكرت لسلمان الفارسي أن