يعني: صفة ليست صفة السوء لنا نحن المسلمين؛ لأن الإسلام أعلى ما يكون في العبادة والأعمال والأخلاق، وقد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه مثّل رسالته (صلى الله عليه وسلم) بقصر مشيد مبني إلا موضع لبنة، فجعل الناس يطوفون ويتعجبون منه إلا موضع هذه اللبنة، يعني يقولون: ما أحسن هذا القصر ما أجمله لولا وضعت هذه اللبنة، يقول: فأنا اللبنة، يعني: أنه (صلى الله عليه وسلم) أتم الله به البناء، وذكر عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فكل مثل سوء في المعاملات فإن الإسلام بريء منه، ولهذا قال: ليس لنا مثل السوء، لنا، يعني: معشر المسلمين؛ لأن ديننا كامل تام من كل وجه. «الذي يعود في هبته كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه»، هذا كالأول في قوله:«الذي يعود في هبته كالكلب يقيء ثم يرجع» بدل يعود والمعنى واحد، يعني: أنه يشبه الكلب، ووجه الشبه بينهما: أن كلا منهما عاد فيما أخرج منه الكلب عاد في القيء وهذا عاد في الهبة.
هذا الحديث: يدل على تحريم الرجوع في الهبة؟ ولكن ما إذا قبضت؛ وذلك لأن مقتضى التشبيه أن تكون الهبة قد خرجت من يد الواهب وانفصلت؛ لأن القيء قد أنفصل من الكلب ثم يرجع، فإذا وهب الإنسان شيئا وأقبضه فإنه لا يجوز له أن يرجع فيه، فإن رجع كان ذلك حرامًا، وجهه: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) شبهه بأقبح صورة وأخبث ذات؛ فإن الكلب من أخبث الدواب حتى من الخنزير، ولهذا كانت نجاسته لا تطهر إلا بسبع غسلات، إحداها بالتراب، وطهارة الخنزير تطهر بإزالتها، فالكلب أخبث الحيوانات، ثم هذه الصورة من أبشع الصور أن يقيء ثم يعود في قيئه، فهذا دليل على تحريم الرجوع في الهبة بعد القبض، أما قبل القبض فليس الرجوع فيها حرامًا لكنه من إخلاف الوعد، والعلماء مختلفون في إخلاف الوعد، هل هو حرام أو مكروه؟ فجمهور أهل العلم على أنه مكروه، واختار شيخ الإسلام أنه حرام، وأن من وعد وجب عليه الوفاء، واستدل لذلك بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) جعل عدم الوفاء بالعهد من سمات المنافقين تحذيرا منه، وبأن هذا مخالف لقوله تعالى:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}[الإسراء: ٤٣].
فأنت إذا أعطيت شخصا قلت: هذا الكتاب يا فلان لك، لكنه لم يقبضه خرج من المجلس ثم بعد إذن رجع عليه ليأخذ الكتاب فقلت له: رجعت في هبتي، نقول: هذا ليس حرامًا من جهة الرجوع في الهبة؛ لأن الهبة لم تُقبض بعد، وهي لا تلزم إلا بالقبض، لكنه حرام من جهة إخلاف الوعد؛ لأن قولك له: هذا الكتاب لك أدنى ما فيه بأنه وعد بتمليكه إياه، فإذا رجعت فهذا إخلاف الوعد، إذن الرجوع في الهبة على القول الراجح حرام سواء قبضت أم لم